قد لا يعتبر الأمر استثنائيا او فريدا من نوعه وضع المرأة اليمنية بالمقارنة مع وضع المرأة في دول الج وار او بعض الدول النامية ولكن الاهم من ذلك هو مشروع مشاركة المرأة في الحياة بصفة عامة وفي الحياة السياسية بصفة خاصة وذلك من خلال مشاركتها في الانتخابات كناخبة ومرشحة وفي السلطة التنفيذية وهذه الخطوة اذا أنجزت ستعبر عن أدراك واعي لأهمية مشاركة المرأة في المجتمع واعتراف أيضا بدورها سواء على الصعيد الوطني العام، وكذلك على صعيد الإسهام الاقتصادي والاجتماعي. وهي خطوة ايجابية على صعيد تعزيز وتمكين المرأة اليمنية وتجربة رائدة تضاف لرصيد القيادة السياسية ، وهو ما يؤمل أن يفتح المجال أمام المرأة اليمنية وعبر هذه الصفة التمثيلية في الحكومة أن يساعد على المشاركة في تضمين القوانين والتشريعات ما يضمن الحدود الدنيا من الحقوق الاجتماعية التي يتعين على الأقل أن تحظى بالتمييز الايجابي او بإتباع سياسة التمكين الموجهة لتعزيز دور المرأة. ورغم إن الكثير من الحقوق والمكتسبات التي حققتها المرأة اليمنية عبر مسيرة النضال والتي كانت فيها المرأة شريكا على قدم المساواة في تحمل المسؤولية ولو على الأقل في مستوى التنفيذ العملي، فإن هناك العديد من المكتسبات التي تحققت مازالت في عداد العرف والعادة ولم تقونن في إطار التشريعات والقوانين ، كما إن هناك العديد من القضايا التي ما زالت مطروحة على أجندة مازالت قائمة اليوم وان أخذت أشكالا وتعابير جديدة، إلا أنها من حيث المضمون مازالت قائمة وبحاجة الى مزيد من الجهد والعمل المكثف ليس فقط على مستوى المنظمات النسوية ، وإنما على صعيد القوى والأحزاب ومنظمات المجتمع المدني، لان قضية المرأة لا تهم المرأة لوحدها بقدر ما هي قضية مجتمعية تهم كل القوى الفاعلة والمؤثرة فيه. وإذا ما توقفنا أمام بعض هذه المسائل التي مازالت مطروحة على جدول أعمال واهتمامات الحركة النسوية فإننا نجد التالي: على المستوى السياسي: رغم مشاركة المرأة في العملية النضالية ضد الاحتلال البريطاني في الجنوب ومساندة أخيها الرجل في الوقوف ضد حكم الائمة في الشمال فإن حجم مشاركتها في مستويات صنع القرار تكاد تكون معدومة ولا تتناسب مع حجم مشاركتها وتضحياتها، وينسحب هذا الأمر على مشاركة المرأة ليس فقط على مستوى المؤسسات الرسمية والسلطة التنفيذية وإنما أيضا على المستويات القيادية في المنظمات والأحزاب وأن كانت بعض الاحزاب قد أعتمدت القائمة النسبية في اختيار قيادتها في الآونة الاخيرة. وإذا ما كانت القضية المطروحة هي مسالة مشاركة المرأة في الانتخابات ترشيحا واقتراعا قد حلت اليوم ولا وجود لها، فإنه لا يكفي في ظل مجتمع ذكوري لا يعترف لغاية الآن بالمساواة إلا من الناحية النظرية أن توجد قوانين تمكن المرأة وتضمن مشاركتها في المؤسسات التشريعية والتنفيذية وبما يتناسب وحجم إسهامها ومشاركتها في الحياة العامة وبالرغم من إسهام المرأة اليمنية فإن مشاركتها في المجلس التشريعي (البرلمان) يثمتل بوجود أمرأة واحده. وعليه فإنه بدون تعديل قانون الانتخابات بحيث يتضمن كوتا نسائية لا تقل عن 15% من أعضاء مجلس البرلمان وبما يكفل مشاركة حقيقة وفاعلة للمرأة في الهيئة التشريعية المنتخبة، يبقى الحديث عن المساواة وضمان حقوق المرأة اليمنية والحرص على مشاركتها في الحياة السياسية والعامة من قبيل اللغو الفارغ الذي لا يسمن ولا يغني عن جوع. على المستوى الاجتماعي: التعليم، الصحة، والعمل لقد كانت جملة القضايا الاجتماعية المطروحة مثار صراع مرير في المجتمعات العربية بما فيها المجتمع اليمني، حيث أن الأمية خاصة بين الإناث قضية ما زالت موجودة ومطروحة، كما إن مسالة التسرب من المدارس بعد المرحلة الأساسية في المجتمع مازالت من القضايا التي بحاجة للعلاج، على المستوى التوعوي والاجتماعي والاقتصادي في آن واحد. كما إن مسالة العناية بالصحة الانجابية مازالت من القضايا المطروحة مجتمعيا ويتحرج الكثيرين من التطرق لها، والبعض يغالي في تصويرها او يربطها بالدين بينما هي ناجمة بالأساس عن عادات وتقاليد بالية لا صلة لها بالدين من قريب او بعيد. في حين تبقي قضية المشاركة والمساواة في العمل من حيث الأجر وتبوء المناصب والمواقع القيادية من القضايا التي تعتبر أساسية على أجندة المجتمع اليمني وقواه الحية وليس الحركات والمنظمات النسوية فحسب. إن ضمان وضع نسبة او كوتا محددة من الوظائف العامة للنساء أمرا لا مفر منه لإعطاء فرص حقيقية أمام الكفاءات النسوية في مختلف التخصصات، كما إن تضمين اللوائح التنفيذية لقانون العمل كافة المكتسبات التي تحققت للمرأة سواء بالأجازات السنوية والأمومة وغيرها من المسائل التي يتعين على قوى المجتمع اليمني الحية أن تسعى لضمانها وتعزيزها. على مستوى الحقوق المدنية والشخصية: لقد كانت هذه القضايا ومنذ بدء بطرحها علنا مثار نقاش واختلاف وتباين مع قوى اجتماعية ومؤسسات ثقافية ودينية، ورغم التطور الذي طرأ على المجتمعات العربية عامة بما فيها المجتمع اليمني،الأ أن هذه المسائل مازالت مطروحة وتحمل نفس المضامين السابقة لكن وبأشكال مختلفة ومن ابرز هذه القضايا. الزواج المبكر،وإذا فإن تحديد سن للزواج 18 عاما في العصر الراهن أمرا يرتبط بتطور المجتمع واحتياجاته وكذلك بمستوى نضج المرأة واستعدادها لتحمل المسؤولية علاوة لضمان إنهائها مرحلة الدراسة الثانوية على الأقل، إن وجود تشريع صارم يحرم الزواج المبكر ويعاقب على اختراقه أمرا في غاية الضرورة لدرء تفاعلات ومشاكل اجتماعية قد تنشا بالضرورة عنه، خاصة إذا كان هذا الزواج يحمل تفاوتا كبيرا بالسن بين الطرفين. الوراثة والذمة المالية المستقلة، رغم وضوح المقاصد التشريعية في موضوع الإرث والذمة المالية المستقلة للمرأة، فإنه يجري وباسم الدين الإجحاف بحقوق المرأة تحت ذرائع وعادات اجتماعية لا صلة لها بالدين، فيجري مصادرة حقها بالإرث من أبويها حتى لا تذهب ملكية العائلة للغريب إذا كانت متزوجة، ولا يسمح لها بالتصرف بأموالها أحيانا كثيرة من قبل زوجها لأنها تمس دوره القيادي في الأسرة، او لغير ذلك من المبررات، إن من شان وجود تشريعات مدنية الى جانب التشريعات السماوية من شانها أن تحل قضايا لها من التأثير الكبير اجتماعيا واقتصاديا ليس على المرأة فحسب وإنما على المجتمع بأسره. الطلاق ، لقد ساد بالمنطوق الاجتماعي ارتباطا بالوعي الديني السائد في المجتمع أن الطلاق ابغض الحلال الى الله ،وهو حق لكلا الطرفين عند دعوى التفريق أي انه ليس حق مطلق للرجل دون المرأة مما ولد وبفعل عادات اجتماعية موروثة أشكالا من الطلاق التعسفي لا يراعى فيه المنطق ولا الحقوق المكتسبة للمرأة حتى بفعل الشريعة ، علاوة على ما يخلفه ذلك من إشكاليات تتصل بالتبعات الناجمة عن الطلاق ، مثل النفقة، وليس الأمر بحاجة للدلالة على كيفية التهرب من أدائها ، وكذلك الأمر بالنسبة لحضانة الأطفال الذين هم ضحايا هذا الزواج وكيف يتم التعامل قسريا مع مسائل الحضانة ، او حتى دعاوى بيت الطاعة التي تستخدم لإذلال المرأة وابتزازها للتنازل عن حقوقها الشرعية . إن وجود تشريعات مدنية تعالج هذه القضايا متضمنة في قانون للأسرة وليس في قانون للأحوال الشخصية مسالة في غاية الأهمية ليس لحماية المرأة وحقوقها ، وإنما لحماية المجتمع من التمزق الداخلي والصراعات الاجتماعية ، وهذه القضية ليست مهمة الحركة النسوية ومنظماتها بقدر ما هي مهمة كل القوى الوطنية التي تمتلك رؤية وبرنامج اجتماعي لتحديث وتطوير المجتمع اليمني .