على مدى ثلاثة أعوام، هي عمر الاحتلال الأمريكي في العراق والرئيس جورج دبليو بوش لايكف عن الدفاع عن نفسه وعن ورطته الشنيعة في دخول هذا المستنقع الذي تتكاثر وحوله المختلط بالدم البريئ، وما كان أغناه وأغنى بلاده عن الوقوع في هذه الورطة التي تتسع رقعتها بما تخلقه من تداعيات تزيد الأمر سوءاً لا على العراق والولاياتالمتحدة وحدهما وإنما على المنطقة العربية بأكملها وعلى دول الجوار العراقي المتاخمة للحدود العربية. ومن حسن حظ دولة عظمى كالولاياتالمتحدة أن الحقائق لاتختفي كلياً وأن هناك بعض الرجال، بل وبعض النساء اللائي يحتفظن بقدر من الشجاعة تمكن الحقيقة من أن تظهر سافرة لتكشف ما وراء قناع الخداع الرسمي الذي يتستر خلفه الرئىس بوش وبعض أقطاب إدارته ممن أسهموا في صنع هذه الكارثة وفرشوا طريقها بنفايات الورود العفنة الملطخة بالدم.. والمثير للاعجاب أنه في صميم الإدارة الأمريكية نفسها مايزال يوجد من يقدر على الاعتراف بالحقيقة ومجابهة الأكاذيب وإن على استحياء وبقدر من الحذر والتحفظ كما هو الحال مع السيدة كونداليزا رايس وزيرة الخارجية التي أثبتت أنها رغم العلاقة المتينة التي تربطها بالبيت الأبيض وساكنيه- وعلى رأسهم جورج بوش- قادرة على أن تفضح بعض المسكوت عنه وأن تكشف عن أبعاد الخطيئة التي وقع فيها بوش وأوقع فيها بلاده.. وما اعترافها الصريح بوقوع آلاف الأخطاء الجسيمة في عملية الغزو المستمرة إلاَّ التعبير عن بيئتها الأولى ثم كونها استاذة جامعية تلتزم الموضوعية والصدق ولو في حدودهما الأدنى. لقد أثارت اعترافات أو بالأصح إدانة الوزيرة ردود أفعال المحافظين في البيت الأبيض وعلى رأسهم »تشيني« و»رامسفيلد« وغيرهم ممن يحاولون إخفاء ضوء الشمس بالغربال كما يقول المثل العربي، وما يضاعف حقد هؤلاء المحافظين أن تصريحات الوزيرة جاءت عشية الذكرى الثالثة لاحتلال العراق وما رافق أيامه الأولى لدى هؤلاء المحافظين وعملاء الاحتلال من وهم سقوط بغداد والاستيلاء على الحكم تحت مظلة الحماية الأمريكية، ولهذا فقد أفسدت التصريحات غير المقبولة لوزيرة الخارجية الاحتفال بوهم استراتيجية النصر تلك التي باتت معروفة باستراتيجية أفشل غزو في التاريخ والتي كان شعارها (التحرير) وهدفها التدمير والقضاء على شيء اسمه العراق أو تمزيقه وتقسيمه إلى دويلات صغيرة تتوازى كل دويلة فيها في الحجم وتعداد السكان مع الكيان الإسرائيلي الذي حدث ماحدث في العراق من أجل سواد عينيه أولاً، ثم من أجل سواد عيني النفط ذلك السائل العجيب الذي أثبتت الأيام عملياً أنه سيحرق قوات الاحتلال ولن يمكّن أية قوة من الاستيلاء عليه. لقد فتحت كونداليزا ثغرة في إدارة بوش لإظهار بعض الحقائق التي لم تعد خافية على الشعب الأمريكي الذي هو في طريقه إلى تشكيل حالة إجماع تندد بالمحافظين الجدد الذين يسيئون إلى روح الولاياتالمتحدةالأمريكية وينحرفون بالمبادئ التي سارت عليها في حالات السلم وحالات الحرب وسيظل موضوع العراق وما ارتكبت فيه إدارة البيت الأبيض من جرائم هو محور التحرك الذي من شأنه أن يؤدي إلى إزاحة بوش عن الحكم في أقرب وقت ممكن. اسبوعية الميثاق: