يحتمل أن يشكّل تعيين رئيس جديد للوزراء في العراق خطوة أولى على طريق الخروج من الأزمة السياسية المستمرة منذ بداية السنة الحالية. لكن ذلك لا يمنع القول أنه ليس كافياً أن يغيّر رئيس الوزراء العراقي الجديد أسمه الأول، وهو الأسم الذي أعتمده في مرحلة النضال من أجل أسقاط نظام الطاغية صدّام حسين. ذلك، أن لا فارق بين أن يتمسّك المالكي بأسمه الأوّل الحقيقي وهو نوري وبين أن يبقي على أسمه الحركي وهو جواد. المهم أن يكون الرجل رئيساً للوزراء، أي أن يكون رئيساً للوزراء في كل العراق ورئيساً للوزراء لجميع العراقيين، وليس مجرد الرجل الثاني في حزب مذهبي، استطاع الوصول الى الموقع الأهمّ في العراق بسبب الأعتراض الأميركي على الرجل الأوّل في الحزب... أي على الدكتور أبراهيم الجعفري. من الناحية العملية،لا فارق بين جواد المالكي وبين نوري المالكي. المهم ما الذي سيفعله الرجل وكيف سيتصرّف في المرحلة المقبلة. هل يترحم العراقيون على الجعفري، أم يعتبرون أنه مثّل مرحلة كان لا بدّ من المرور فيها في العراق؟ أنها مرحلة انحدار البلد يومياً في اتجاه الحرب الأهلية التي لم يعد في الأمكان انكار أنها صارت حقيقة من جهة... وأن أقصى ما يمكن عمله هو السعي إلى أيقافها من جهة أخرى. بعد زيارته للسيد علي السيستاني، أعلى المرجعيات الشيعية في العراق وحصوله على مباركته، أدلى رئيس الوزراء العراقي المكلف بتصريحات يفهم منها أنه سيعمل على طمأنة العراقيين أي أن حكومته ستكون حكومة وحدة وطنية بالفعل وأن الأجهزة الأمنية ستكون في تصرف جميع العراقيين وستعمل على حمايتهم وليس مجرد ميليشيات مذهبية بثياب رجال شرطة لا همّ لها سوى الخطف والنهب وتصفية الحسابات مع أبناء هذا المذهب أو ذاك. أكثر من ذلك، بدأ من كلام المالكي أن النية متجهة الى تعيين شخصين محايدين الى حدّ ما في موقعي وزير الداخلية ووزير الدفاع. ما صدر عن المالكي كان كلاماً جميلاً يؤمل بأن يوضع موضع التنفيذ لا أكثر ولا أقل، ذلك أن العراق لا يستطيع أن يبقى بلداً موحّداً وأن يطمح الى أن يكون ديموقراطياً في حال استمرت المعادلة الراهنة. أنها معادلة قائمة على العنف الذي يغذّي العنف. وفي حال ثمة رغبة حقيقية في توضيح الأمورأكثر، يمكن القول صراحة أن ليس في الأمكان بناء دولة عراقية عصرية في حال بقي الوضع الراهن. لا أمل على الأطلاق في بناء دولة أذا استمر ذلك الأندفاع لدى أهل السنّة من العرب نحو التطرف الذي تجسّده العمليات الانتحارية التي لا يمكن أن توصف سوى بأنها ذروة الارهاب، بل الارهاب بعينه ولا علاقة لها بأي نوع من المقاومة. ولا أمل في بناء دولة في العراق وفي غير العراق ، أذا كان مطلوباً حماية الميليشيات المذهبية التي أخترقتها ايران في كلّ الأتجاهات، عن طريق دمجها بالجيش الجديد. فما هذا الجيش الذي يضم عناصر تنتمي الى هذا الحزب المذهبي أو ذاك؟ هل هناك ما يضمن امتناع العناصر الميليشيوية عن تلقي الأوامر من قادة أحزابها أو من الخارج؟ هل هناك ما يضمن أن يكون ولاء هذه العناصر للعراق أوّلاً؟ بأختصار شديد، لا يمكن بناء دولة في العراق استناداً الى الارهاب الذي يمارسه سنّة متطرفون وميليشيات تابعة لأحزاب مذهبية. على العكس من ذلك أن هذه المعادلة تشكّل الصيغة الأفضل لفرط الدولة والوصول الى القضاء على وحدة العراق أرضاً وشعباً والتي تعتبر ضمانة للمحافظة على حدّ أدنى من الأستقرار في المنطقة. هل هناك من يريد المحافظة على وحدة العراق... أم أن فكرة أقليم الوسط والجنوب التي تطرح بين الحين والآخر بهدف حرمان أهل المثلّث السنّي من خيرات العراق النفطية هي التي ستنتصر؟ وسينتصر معها عندئذٍ التيّار الكردي الساعي الى اقامة كيان مستقل أقرب ما يكون الى دولة متى ضمن الأكراد حصة محترمة من نفط كركوك. والحقيقة، أنه في حال حصول الأكراد على ما يطمحون اليه، لا شيء يمكن أن يحول دون أقامة دولة خاصة بهم لولا الخوف التركي من مثل هذه الدولة والأعتراض المستمر لأنقرة عليها. والمؤسف أن ما تستطيع عمله الأدارة الأميركية التي لا يزال لديها نحو مئة وثلاثين ألف جندي في العراق محدود جداً. والدليل على ذلك أن الجنود الأميركيين غير قادرين على وقف الحرب الأهلية الدائرة. كل ما في إمكانهم عمله هو التمركز في مناطق معينة لمنع وصول نجدات من خارج الى هذا الطرف أو ذاك، وذلك لمنع توسع الحرب الأهلية وحصول مزيد من المجازر والواضح أن مجيء وزير الدفاع دونالد رامسفيلد الى بغداد قبل أيّام والتحاق وزيرة الخارجية كوندوليزا رايس به عائدا الى أعتبارات داخلية أميركية أكثر من أي شيء آخر. كلّ ما في الأمر أن ادارة بوش الأبن الخائفة من التحديات الداخلية التي تواجهها قبل نحو ستة أشهر من انتخابات الكونغرس، مضطرة الى الظهور في مظهر الادارة الموحّدة من جهة وفي مظهر من لا تزال لديه سياسة عراقية مدروسة من جهة أخرى. العراق الى أين؟ الكثير سيعتمد على ما اذا كان في الأمكان تشكيل حكومة وحدة وطنية بالفعل وليس حكومة على نسق حكومة الجعفري حيث كانت الداخلية والدفاع في اشراف راغبين في الانتقام من عراقيين آخرين. ليس في الامكان سوى الرهان على أن النيات التي أظهرها المالكي من خلال تصريحاته الأخيرة نيات صادقة. قال الرجل إنه سيكون رئيساً للوزراء وإنه سيكون على مسافة واحدة من جميع العراقيين. علينا أن نصدّقه الى أن يثبت العكس! علينا أن نصدقه وأن نصلّي من أجل أن يتمكن الرجل من فتح صفحة جديدة في تاريخ العراق انطلاقاً من وجود رغبة حقيقية في وقف الحرب الأهلية الدائرة في البلد بدل التعامي عنها واستخدامها في خدمة مشروع تقسيم البلد في المدى الطويل. Kidzkhair@aol com