يحق لليمنيين ان يفخروا بمايشهده المعترك الانتخابي الرئاسي والمحلي من زخم ديمقراطي في ظل مناخات الأمن والاستقرار، معبرين بذلك عمّا وصلت اليه ديمقراطيتهم النابعة من وحي قناعاتهم وليست خياراً مفروضاً عليهم من أحد ولم يأخذوا بها كاملاءات خارجية لتكون بهذا المعنى تجربة يمنية خالصة بدأت من حيث انتهى الآخرون وتتجلى اليوم في أنصع صورها بالتعددية السياسية والحزبية وحرية الرأي والصحافة واحترام حقوق الانسان، آخذة كل هذه التعبيرات تجسيدها المكثف في التداول السلمي للسلطة الذي نشهد اليوم أرقى تعبيرات صوره في الساحة الوطنية بحملات الدعاية الانتخابية للمرشحين المتنافسين لمنصب رئيس الجمهورية الذي هو أعلى منصب في الدولة اليمنية الموحدة الديمقراطية الحديثة والتنافس على شغل مقاعد المجالس المحلية في الوحدات الادارية لكل محافظات ومديريات الجمهورية اليمنية واجراء الانتخابات الرئاسية والمحلية في وقت واحد يحمل معاني بالغة الدلالة تعكس الأبعاد المتقدمة للديمقراطية اليمنية في مسارات تحولاتها المؤسسية التي أصبحت من القمة الى القاعدة لتصبح السلطة مستمدة من الشعب ويصبح حقاً هو مصدر كل السلطات.. وماكان لهذا ان يكون لولا الحكمة والنظرة الثاقبة لمن تحمل مسؤولية قيادة الوطن في فترة كان يعيش أوضاعاً مأزومة بالغة التعقيد والصعوبة الى رحاب الوحدة والديمقراطية وفضاءات التنمية والبناء والتطور الشامل لليمن كله ليمضي صوب الغد وابنائه مزهوين بانجازات الحاضر ويتطلعون الى الآتي وهم اكثر ثقة بالمستقبل على قاعدة النهج الديمقراطي الذي ينبغي ان يلتزم ويحرص عليه الجميع في هذا الوطن وفي المقدمة شركاء الحياة السياسية ونعني هنا الاحزاب والتنظيمات السياسية الذين عليهم إبقاء المعترك الانتخابي يمضي في مساره الديمقراطي الصحيح من خلال جعل البرامج مرتكزاً لحملات الدعاية والترويج للمرشحين والابتعاد عن تحويل مجريات العملية باتجاهات يصبح الفوز غاية في ذاته وليس من اجل النماء والبناء والتقدم الهادف الى خير اليمن لتحقيق المزيد من الانجازات والتحولات الملبية لمتطلبات الاستحقاقات الوطنية المستقبلية.. وهذا يوجب تجنب الخطاب «السوفسطائي» التنظيري المتحذلق الذي يقلب الحقائق رأساً على عقب في حملات الدعاية الانتخابية.. ذلك ان الديماغوجية تنحرف بالمسار الانتخابي التنافسي الديمقراطي الى حالة من الغوغائية السياسية التي في محصلة نتائجها القريبة والبعيدة تسيئ الى الديمقراطية وتشوه صورتها في أذهان الناس، خصوصاً اذا اعتمدت كاتجاه رئيسي لها اسلوب تقديم الوعود البراقة غير القابلة لتحقيق وتقديم المرشح لنفسه على اساس انه يمتلك الحقيقة وكل مايقوله هو الصواب المطلق ومايقوله الآخر هو الخطأ المطلق.. بينما المفترض أن تقول ماعندك وماتعتقد انه الأصلح ودع الاخير يقل ماعنده ومنطلق الجميع المصلحة الوطنية وخدمة الشعب. وفي هذا المنحى فان المؤشر السلبي الأهم لوجود مثل هذه التوجهات السهام الطائشة التي وجهت الى القوات المسلحة والأمن في حملات بعض المرشحين بينما المفترض عدم زج هذه المؤسسة الوطنية الكبرى بأدوارها وتضحيات منتسبيها الابطال على طريق انتصار الثورة والجمهورية ودروب الحرية والاستقلال وترسيخ الوحدة والديمقراطية وتأمين مسارات مسيرة التنمية وبناء اليمن الجديد القوي المزدهر يعيش أبناؤه في ظل رايته بعزة وكرامة. ان التنافس الانتخابي وبهذه الصورة التي نراها اليوم والمتسمة بالجدية هو بحد ذاته انجاز كبير لليمن وأهلها لاسيما بعد ان حُدد منصب رئيس الجمهورية بفترتين رئاسيتين واصبح بإمكان اي مواطن يمني- يرى في نفسه القدرة على تحمل هذه المسؤولية والقيام بكل المهام التي توجبها هذه المسؤولية والتفاني في خدمة الوطن وهو أمر يحسب لضمان المنافسة وخوض غمار الانتخابات.. ومادام الأمر كذلك فان الحرص على الديمقراطية له الأولوية لانها الأبقى لضمان استمرار التداول السلمي للسلطة.. ومادام بامكانه الترشح والتنافس فان الفوز بالانتخابات الرئاسية أو البرلمانية أو المحلية قائم وهذا هو الأهم في اي نظام ديمقراطي تعددي.