بعد مضي أربعين شهرا على احتلال العراق لا بد من العودة إلى ما يدور في هذا البلد في ضوء ما دار فيه قبل أكثر من سبعة قرون وذلك عبر المحاور التالية: العراق: المشهد ألأول عام 1258 م. يروي ابن كثير في «البداية والنهاية» أن آراء المسلمين اختلفت حول عدد الضحايا في بغداد بعد احتلالها من طرف المغول عام 1258 . فالبعض يقدرهم ب800 ألف ضحية والبعض الآخر يقدر العدد ب مليون 800 ألف ضحية والبعض الثالث يرفعه إلى مليونين. دخل المغول إلى بغداد في نهاية شهر محرم واعملوا السيف في رقاب أهلها خلال أربعين يوماً وخلال هذه الفترة وعندما نودي على الناس بالأمان خرج الناجون من تحت الأرض من الملاجيء ومن المقابر ومن قنوات الري كما الأموات فكان أن انتشر وباء بين الناس وقضى على الناجين من المذبحة. العراق : المشهد الثاني منذ هام 2003 م… بعد أكثر من حوالى سبعة قرون ونصف القرن احتلت الولاياتالمتحدةالأمريكية العراق وما زالت تحتله وقد سقط من أهله خلال 40 شهرا و حتى اللحظة أكثر من 650 ألف ضحية بحسب مجلة أمريكية .و هنا أيضا تختلف الآراء فالبعض من العراقيين يتحدث عن مليون ضحية والبعض الآخر يتحدث عن مليونين فيما أوساط البيت الأبيض تتحدث عن 30 ألف ضحية. مقارنة واستنتاج كان المغول في عرف العرب شعب همجي انهال على مدينة كانت من ابرز علامات الحضارة العربية الإسلامية في ذلك العصر وكان أن هزموا خلال ثلاث سنوات وتحولوا من بعد إلى الإسلام. واليوم يدعي الغزاة أنهم من ابرز علامات العصر الحضارية ولكنهم يأتون بما أتى به المغول في المكان نفسه وبفارق قرون طويلة ما يعني أن الزمن ليس ضامنا لنهاية الوحشية وأن التكنولوجيا لا تعصم الناس من التوحش.ليس من المتوقع أن ينضم غزاة اليوم إلى الإسلام على غرار همجية المغول لكن المؤكد أنهم سيخرجون خائبين من بغداد قبل «إكمال المهمة» على ما دعا مؤخرا رئيس الأركان البريطاني دانات وكما يوحي رئيس القوات الأمريكية في الشرق الأوسط جون أبي زيد في جلسات مغلقة مع المسؤولين وصناع القرار في الولاياتالمتحدةالأمريكية. لقد فهم دانات وأبي زيد أن المشكلة في العراق هي بالضبط «المهمة» التي يتحدث عنها السياسيون في البلدين وانه ما أن يخرج المحتل حتى تنتهي المشكلة. يبقى أن يسمع الرئيس بوش ورئيس الوزراء البريطاني بلير من نفس الأذن التي يسمع منها القادة العسكريون للبلدين على أرض العراق : انتم المشكلة. ورحيلكم هو الحل. المشهد الثالث: بغداد عشية غزو المغول يروي ابن الطقطقي وهو معاصر للغزو المغولي أن المستعصم بالله خليفة بغداد في ذلك الحين أرسل يطلب من حاكم البصرة مغنين وموسيقيين وفي الوقت نفسه كان هولاكو يطلب منه مقاتلين وأسلحة وعتاد إذا ما أراد البصري أن ينقذ حكمه. علق حاكم البصرة في مجلسه قائلا: انظروا إلى هذين المطلبين وابكوا على الإسلام وأهله. وإذا كان ابن الطقطقي متهماً بعواطفه الشيعية ويلقي باللائمة في سقوط المدينة على الخليفة المستعصم بالله فان ابن كثير متهم أيضا بعواطفه السنية وهو يروي أن مسؤولية سقوط بغداد تقع على ابن العلقمي الوزير الشيعي الأول لدى الخليفة العباسي. الفارق بين الإتهامين واضح للعيان: الخليفة صاحب القرار والوزير الأول أداة تنفيذية. الخليفة يتحمل المسؤولية الأكبر عن سقوط المدينة والوزير الأول يتحمل المسؤولية الأصغر الناجمة عن دوره التنفيذي في الحكم. ما لم ننته من صراع المؤرخين على هذا الحدث وعلى غيره لن ننتهي من المرض الطائفي الذي مازال يضرب ارض العرب والمسلمين. المشهد الرابع: بغداد يتهددها العنف الطائفي سقطت بغداد في عهد الرئيس العراقي الأسير صدام حسين. كان صاحب القرار الأول والأخير في عاصمة الرشيد لحظة الغزو الأمريكي. لم تسقط بسبب تعامل فرق معزولة من كل الطوائف مع المحتل. سقطت بسبب قرار الرئيس بالمجابهة وعدم الرضوخ وبسبب الفارق الهائل في ميزان القوى العسكري بين دولة هي القوة العظمى الوحيدة في العالم ودولة كانت منهكة تحت حصار عالمي وإقليمي دام أكثر من 12 عاما. المتعاملون مع الاحتلال اليوم ينتمون إلى كل الطوائف وان كانوا أكثر من غيرهم في طائفة معينة فلأن هذه الطائفة هي الأكثر عددا.وان كانوا الأكثر اتساعا جغرافيا فلان الأكراد السنة وميلشيات عربية شيعية قرروا زواجا كاثوليكيا مع المحتل.. إن كل تفسير طائفي للتعامل مع الاحتلال يخدم مصالح المحتل وكل تفسير طائفي للمقاومة يؤذي التيار العراقي المقاوم. لا طائفة للعملاء بل العملاء طائفة قائمة بذاتها وتضم متخاذلين من كل الطوائف. بعد مضي سبعة قرون ونصف القرن على احتلال بغداد لا يجوز لنا أن نضفي على الاحتلال والمقاومة صفات طائفية.إن جزءاً كبيراً من تغطرس المحتل في شهور الاحتلال الأولى كان يستند إلى ثقافتنا السياسية الطائفية المنبثة في كتب التاريخ والمنتشرة حتى اليوم في حاراتنا وأزقتنا، ولعل نصرنا الأكبر على المحتل يكمن في انتصارنا الذاتي على ثقافة الطوائف والملل والنحل. العنف والديموقراطية التضامن مع رئيس التحرير الزميل علي الشاطر يتعدى إطار الزمالة والمهنة ليطال المبدأ الديمقراطي نفسه.ذلك أن الديموقراطية إن كانت تنطوي على معان نبيلة فمن أهمها التخلي عن حل المشاكل في المجتمع السياسي بواسطة العنف.بهذا المعنى لا يستوي حل المشاكل السياسية بوسائل ديموقراطية مع استخدام العنف والتهديد به. وإذا كانت الكلمة هي الأداة الوحيدة الجائزة في العلاقات الديموقراطية فان نبل الكلمات يؤدي بالضرورة إلى نبل العلاقات الديموقراطية أما لغة العنف فإنها تنتمي إلى مجتمع آخر وعلاقات أخرى قرر اليمنيون وضع حد لها عندما اختاروا الديموقراطية نظاماً لبلادهم. وحتى لا يجلد اليمنيون أنفسهم فان عليهم أن يتذكروا أن المرحلة التي يجتازونها هي مرحلة انتقالية وهي بالتالي تحمل معها بعض الأساليب السيئة لما سبقها وفي كل مرة يتصدى فيها المجتمع السياسي لوسائل ما قبل الديموقراطية يبرهن بقوة عن رغبة قاطعة في السير إلى الأمام وعن نية قاطعة في عدم العودة إلى الوراء. عيد الفطر السعيد بحلول نهاية أسبوع هذا العدد يهل عيد الفطر السعيد وفيه اتمنى للقراء عموما و للأصدقاء عيدا سعيدا وكل عام انتم بألف خير. واختم بحكمتين تعبران عن روح الدعابة الممتدة عبر العصور. الأولى من الفلسفة الإغريقية: « لا بد للمرء أن يتزوج فإن كانت زوجته فاضلة يصبح إنسانا سعيدا وان لم تكن فاضلة يصبح فيلسوفا» سقراط والثانية من أوروبا المعاصرة: « إذا كان المرء يغير أفكاره كما يغير قمصانه فان الذين لا يغيرون أفكارهم يجب أن يتجمع لديهم الكثير من الغسيل الوسخ» بيار داك