لطالما ارتبطت تلك السُمرة الدافئة.. و العيون الناعسة.. و الضحكة الحزينة.. بفارس أحلام لطالما عشقته بكلّ ما فيه .. عندما يدندن بأغنيّتي الغالية (أنا لك على طول.. خلّيك ليّه) أحسّ كما غيري من محبّيه بصوته الرخيم يولد من النافذة المطلّة على الليل البعيد ، فيبدّدّ كلّ مافيه من وحشة و ظلام بدفء و حنان و رومنسيّة .. عبد الحليم حافظ .. ملك الإحساس بلا منازع .. يضحك أخوتي كثيراً عندما يصل بي التشبثّ بعبد الحليم حافظ إلى حدّ ربط اسمه الأصليّ (عبد الحليم شبانة) بعائلة شبانة الخليليّة ، فأفسّر حبّي له بالدمّ الفلسطينيّ الذي يحنّ لنظيره و يحتمي به و لو عن بُعد .. و لمَ لا ؟ أليس من الممكن أن يكون كلّ هذا الإحساس فلسطينيّ بامتياز؟ من يمتلك الشجن الممزوج بالانكسار الدفين أكثر من الفلسطينيّين ؟ فعلى الرغم من كونه لم يتسنّ لي التحقٌقّ من أصل عبد الحليم حافظ الحقيقيّ إلاّ أنّ إحساسي يدلّني عليه و لو كان وجوده و وفاته على بُعد سنوات مضت .. فصلني عنها زمن بعيد .. إبداع من رحم المعاناة و المأساة .. حليم يتيم الأمّ و الأبّ .. توفّيت والدته يوم سبوعه .. وقد لحقها والده بعد أشهر من هول الفاجعة .. ربّاه إخوته .. جميع قصص حبّه كانت تبوء بالفشل فتارة توفّيت الحبيبة باللوكيميا ، و تارة خذلته و أخرى هجرته بعد أن ضاقت ذرعاً بضعفه العامّ الذي تفرضه صحّته المهلهلة .. نخرت البلهاريسيا جسده النحيل حتى أردته جثّة هامدة و هو في التاسعة و الأربعين .. أعجب كثيراً ممّن يتمكّن من الغناء و الشدو العذب ، و داخله ينوح يُتماَ .. حزناً .. مرضاً و ألماً .. بل ربّما تكون مآسيه هي إكسير إبداعه .. مآسيه التي لم تتمكّن من أن تكون إكسير حياة له ، فاكتفت أن تصنع الخلود لفنّه .. على الرغم من كوني كملايين عشّاق عبد الحليم حافظ ، لا ننتظر مسلسلاً ضعيف الأداء كالذي شاهدناه في رمضان ، كيّ نحبّ عبد الحليم أكثر فأكثر عندما نعلم تفاصيل حياته .. إلاّ أنّه كان درعاً متواضعاً لتكريم العندليب الأسمر .. صاحب السُمرة الدافئة و العيون الناعسة و الضحكة الحزينة .. صاحب الشجن الفلسطينيّ بامتياز و لو كان ذلك من محض إحساسي فقط لا أكثر .. * كاتبة أردنية / عمان [email protected] http://rasha_salameh.maktoobblog.com