أخيرا انتهت أعمال أكبر محكمة تمثيلية هزيلة شهدها التاريخ الحديث.. انتهت محاكمة الرئيس العراقي الأسير صدام حسين ومعاونيه بسلسلة من الأحكام التي تراوحت بين السجن 15 عاما أو مدى الحياة وبين الإعدام. انتهت حين أصدر قاضي محكمة الدجيل رؤوف رشيد محمد حكما بإعدام الرئيس صدام حسين شنقاً، "معارضا بذلك رغبة الرئيس الأسير في الموت رميا بالرصاص". كذلك بإعدام برزان التكريتي الأخ غير الشقيق لصدام حسين. وأيضا بإعدام عواد محمد البندر.أما الاستثناء الوحيد فكان من نصيب محمد العزواي الذي قالت المحكمة انه بريء لعدم توفر الأدلة ضده وحكمت بإطلاق سراحه بعد تبرئته. طبعا هذه جاءت لتعطي انطباع للعالم وكأن المحكمة عادلة وقانونية ولم تشبها شائبة منذ أسسها بريمر أول حاكم للاحتلال الأمريكي في العراق،والذي نهب ملايين الدولارات من ثروات الشعب العراقي قبل وعندما غادر ارض السواد. وقد تكللت المهزلة في المحكمة بقيام القاضي - الجلاد بطرد المحامي الأمريكي سامي كلارك (وزير الدفاع الأمريكي الأسبق ومحامي الرئيس العراقي الأسير) من قاعة المحكمة. وكان نفس هذا القاضي ومن قبله الذين سبقوه في العمل في تلك المحكمة يمارسون القمع والمنع على محاميي الرئيس صدام ومعاونيه. وقد شاهد العالم مسرحية المحاكمة على شاشات التلفزة. لذلك لا نرى ضرورة لتكرار المهزلة عبر الكتابة عنها. ونترك الحكم للجمهور والقراء. أما الذي سنتحدث عنه هو المصلحة في إعدام الرئيس الأسير ومن معه من أسرى العراق. فهل هناك مصلحة عراقية حقيقية في إعدام صدام حسين ومن هم معه؟ باعتقادنا لا يوجد مصلحة عراقية بل هناك مصلحة أمريكية بريطانية، لان بوش وبلير ومعهم حلفائهم في احتلال العراق وتدميره قد غاصوا عميقا في الوحل العراقي ، ومطلوب منهم ومن أحزابهم الحاكمة الخروج من وحل العراق بإنجازات وانتصارات . لكن كيف يحقق بوش او بلير تلك المعجزة وهما عاجزان حتى عن وقف ما يجري لجيشهما في وحل بلاد الرافدين؟ فالقتلى والجرحى والخسائر يومية ومستمرة وبلا توقف، إن كان من جانب الاحتلال الأجنبي او في صفوف الجيش العراقي وقوات الشرطة والعصابات الطائفية المسلحة التي تعمل في خدمة الاحتلال او زعمائها المرتبطين بدول عدوة للعراق وأخرى لا مصلحة لها بوحدة العراق واستقلاله. كما أن هناك خسائر بشرية فادحة في صفوف المدنيين العراقيين، بلغت بحسب الأرقام التي نشرت مؤخرا حوالي 700 ألف قتيل عراقي. يعني تحرير العراق على الطريقة الأجنبية من نظام البعث والرئيس صدام كلف حياة مئات آلاف العراقيين وآلاف الأجانب ، وكلف أيضا تدمير العراق ونهب ثرواته ومتاحفه وقتل وتصفية مبدعيه وعلمائه ومثقفيه وقياداته الوطنية والقومية العسكرية والسياسية.وبدلاً من بعض السجون في زمن صدام صارت الأراضي العراقية كلها سجون جماعية او مقابر جماعية. ففي زمن صدام حسين كان العراقي ينعم بأمن أفضل بكثير من أمنه هذه الأيام ، وكان ينعم بالخبز والمال والنفط ، ولم يكن يخشى على حياته وحياة أطفاله ولا على عرضه وعرض نسائه، إذ بعد احتلال العراق ووضع العملاء والفاسدين واللصوص والمخبرين والفاسدين على سدة الحكم باسم الديمقراطية الأمريكية صار العراق عبارة عن وطن مسروق وثورة منهوبة وشعب يستعمل للتجارب الحربية والميدانية. وصارت فضائح وفظائع الاحتلال وأعوانه مضرب المثل في كل الدنيا، من صور أبو غريب وامتهان كرامة وشرف وعرض الأسرى والأسيرات إلى اغتصاب النساء والأطفال زمن ثم قتل وحرق بعضهم بدم بارد.. هؤلاء الذين احتلوا العراق لأجل سرقة ثرواته واحتياطه النفطي وتدمير قدرته الحربية ومنعه عن القيام بواجبة في حماية الأمة العربية ودوره في تحرير فلسطين ومواجهة خطر الصهيونية، والذين استبدلوا الحكم بوجوه عشائرية وتابعة والجيش بعصابات طائفية حاقدة ، تمارس الإجرام والإرهاب بشكل يومي وتقتل المواطنين على الهوية وتغتصب وتسبي النساء والأطفال باسم الديمقراطية الجديدة. هؤلاء هم من يريد انتزاع انتصار ولو إعلامي ووهمي يتمثل بقرار إعدام الرئيس الأسير.لأنهم بعد خسارتهم الحرب في العراق وخسارتهم الأصوات الانتخابية في بلدانهم صار لزوم عليهم تحسين صورتهم وتبديد المخاوف من فشل سياستهم. لكن شتان ما بين الوهم والحقيقة فإعدام صدام حسين لن يغير شيئاً في بلاد الرافدين ، لأن المعركة في العراق ليست معركة إعدام أو عدم إعدام صدام حسين بل هي معركة إعدام العراق كله أو إنقاذه من براثن الاحتلال الأمريكي البريطاني الأجنبي المسنود صهيونياً ،وكذلك هي معركة تحريره وإنقاذه من عبث العصابات الطائفية المسلحة كفيلق بدر ولواء الذئب وقوات آل الحكيم وغيرهم من الإرهابيين الطائفيين الذين يمارسون الإجرام والإرهاب بشكل علني. ان المحكمة المذكورة تشكلت أساسا من اجل إصدار حكم بإعدام صدام وحسين ومن معه من المعتقلين. ولم يكن حكمها مفاجأ لأحد فهي ولدت من رحم الاحتلال الأمريكي لأجل القيام بذلك وتنفيذ أقذر المهمات. وقد شاهدنا مهازلها الكثيرة مع القاضي روزكار محمد ومن ثم مع القاضي رؤوف رشيد محمد .. وكنا ننتظر اللحظة السياسية أو الانتخابية الأمريكية التي ستكون صانعة قرار إعدام الرئيس صدام. وقد جاءت تلك اللحظة يوم أعلن عن زيارة مدير الاستخبارات العسكرية الأميركية لبغداد بدون سابق إنذار. فهذا الرجل جاء كي ينهي المهمة التي بدأت على يدي بريمر أول حاكم أمريكي للعراق.لكن الحقيقة التي نعرفها هي واحدة وتوضح للجميع ان كذب بوش وبلير حول العراق في زمن صدام كان فظيعاً ولن تمحو آثاره الانتخابية قرارات جائرة مثل الحكم بإعدام الرئيس صدام حسين ومن معه. فإعدام صدام سوف يزيد من إصرار الشعب العراقي على رفض الاحتلال كما انه سيعزز دور المقاومة العراقية في إتباع طريق المقاومة والقتال لأجل جعل العراق اكبر مقبرة في التاريخ للمحتلين الأمريكان والبريطانيين. * www.safsaf.org