الأخسرون أعمالاً هم الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا كما أوضح الله تعالى ذلك في سورة الكهف (قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسريِنَ أعْمَالا «103» الَّذيِنَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يَحْسَِنُونَ صُنْعاً«104»). وما من شك فإن هذه الآيات تنطبق على من يمارسون العنف الأهوج في أيامنا هذه، إنهم يعرضون أنفسهم لشغف العيش وللملاحقات الأمنية وللقتل آملين أنهم بذلك سيستحقون الجنة وحور العين. لكنهم يتجاهلون أن ذلك الجزاء من الله لمن جاهد دفاعا عن دين ووطن وعرض، أما من يقتل لمجرد القتل كما يفعل هؤلاء فإن مصيرهم غير ذلك، انهم يشيعون الفساد في الأرض، وقد تسببوا بأفعالهم هذه إلى تخويف الآمنين وقتل الابرياء، ولذلك فإنهم قد خسروا الحياة الطيبة في الدنيا بسبب خوفهم من ملاحقة العدالة ولأن أعمالهم هذه ليست بأعمال صالحة فإنهم سيخسرون الجنة أيضا، أي أن حالهم قد يكون حتى أسوأ من حالة بعض الكفار الذين قد يخسرون الآخرة لكنهم قد يربحون الدنيا. أن الذين يمارسون العنف هم الأخسرون أعمالا لأن أعمالهم هذه بدون غاية، فالربح من الأعمال إنما يتحقق إذا كانت المساعي تصب في الأغراض المؤدية لذلك، ونفس المنطق فإن الخسران يتحقق إذا لم يصب السعي في غرضه وبدلا من ذلك فإنه ينتهي إلى نقص في رأس المال أو ضياع للسعي، إن ذلك هو المعبر عنه في الآية بضلال السعي كأنه ضل الطريق فانتهى به السير إلى خلاف غرضه. فإذا كان هدف هؤلاء من ممارسة العنف هو رضاء الله فإننا نقول لهم أن الله يقول (وإذا فعلوا فاحشة قالوا وجدنا عليها أباءنا والله أمرنا بها قل إن الله لا يأمر بالفحشاء أتقولون على الله ما لا تعلمون «28»)، ويقول كذلك (الشيطان يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشاء والله يعدكم مغفرة منه وفضلاً والله واسع عليم «268») ويقول (قل أمر ربي بالقسط وأقيموا وجوهكم عند كل مسجد وادعوه مخلصين له الدين كما بدأكم تعودون «29»). فأين القسط والعدل من أعمال العنف التي تقومون بها، إن ما تقومون به هو في الحقيقة فحشاء، إنه ظلم، إن الله لا يأمر بالفحشاء وإنما الذي يأمر به هو الشيطان. وإذا كان الأمر على هذا النحو فإننا نقول لكل من يمارسون العنف الأهوج إنكم خاسرون في كسبكم وفي سعيكم، إن ما أنتم عليه ناتج عن عدم فهمكم للإسلام وعن جهلكم بالطريق الصحيح وعن انطلاقكم من دوافع أنانية لا علاقة لها بالإسلام، إنكم تنطلقون من محاولتكم التطهر من ذنوب وقعتم بها أو من طموح مغمر للزعامة أو من انتقام لثأر شخصي تعرض له بعضكم. لكن يجب أن تفهموا أن المعصية لا تكفر بمعصية أخرى، الحسنات فقط يذهبن السيئات، الزعامة لا تتحقق عن طريق احراق الحرث والنسل، والتخلص من العقد السابقة لا يتم من خلال الثأر وإنما من خلال التسامح، يقول الله تعالى (إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات كانت لهم جنات الفردوس نزلا). صحيح أن الإنسان في حياته قد يخطئ، ذلك أنه في حياته قد يسعى لسعادته فإن أصاب طريق الحق فقد وجد السعادة الحقة، وإن أخطأ الطريق وهو لا يعلم بخطاه فهو خاسر سعيا لكنه مرجو النجاة، ولكن إن أخطأ الطريق وأصاب غير الحق وسكن إليه فصار كلما لاح له لائح من الحق ضربت عليه نفسه بحجاب الإعراض وزينت له ما هو فيه من الاستكبار، إنه بعمله هذا قد وقع في العصبية الجاهلية، ولذلك فهو أخسر عملا وأخيب سعيا لأنه خسران لا أمل في أن يتبدل يوما إلى سعادة. ذلك أن اعراض الإنسان مع ظهور الحق وتبين بطلان أعماله له إنما هو من جهة انجذاب نفسه إلى زينات الدنيا وزخارفها وانغماره في الشهوات، إن ذلك يحبسه عن الميل إلى اتباع الحق وعن الإصغاء إلى داعي الحق ومنادي الفطرة. إن عليكم أن تعيدوا تقييم الأمور بتجرد وأن تكونوا مستعدين للاعتراف بالأخطاء التي تكونون قد وقعتم فيها، ولا تكونوا من الذين قال الله فيهم (وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم) النمل: 14 وقال (وإذا قيل له اتّق الله أخذته العزة بالإثم) البقرة: 206 . إن الاستمرار في ما أنتم عليه يعني اتّباع هوى أنفسكم ومضيكم على ما أنتم عليه من الإعراض عن الحق عناداً واستكباراً، إن استمراركم على ما أنتم عليه ما هو إلا الانغمار في شهوات النفس وليس إلا رضى منكم بما أنتم عليه استحسانا منكم لصنعكم، فإن استمريتم على ما أنتم عليه فقد يصدق قول الله فيكم (فلا نقيم لهم يوم القيامة وزنا)، ويقول (وبدا لهم من الله ما لم يكونوا يحتسبون). إن قتلكم لأنفسكم وقتلكم غيركم من الأبرياء هو ظلم، ولاشك أن ممارسة الظلم لا تؤهل صاحبها لا للجنة ولا للحور العين ولا حتى لرضاء الله. إننا ندعو الله أن يهدينا وإياكم وأن يرينا وإياكم الحقٍ حقّاً وأن يرزقنا اتّباعه وأن يرينا الباطل باطلا وأن يرزقنا اجتنابه، فليس من العيب أن يتنبه الإنسان إلى ما وقع فيه من اخطاء ثم يستأنف العمل فيتدارك ما ضاع منه ويقضي ما فات، لكن العيب أن يذعن لما تعوّد عليه ويستمر فيه ويتضرر وهو يعتقد أنه ينتفع لا يرى غير ذلك، إن ذلك هو أشد الخسران لا رجاء لزواله.