هل هناك امل بتسوية في فلسطين؟ هل لا يزال الزمن زمن المعجزات؟ لم يعد سرّاً ان الوضع الذي آلت اليه الامور في قطاع غزة منذ استيلاء «حماس» عليه منتصف يونيو – حزيران الماضي اوجد معطيات جديدة يمكن ان تكون مدخلاً الى تسوية وذلك لسببن على الاقلّ. السبب الاوّل ان رئاسة السلطة الوطنية الفلسطينية تشعر بحرية اكبر في التحرك سياسياً بعدما تخلصت من العبء الذي كانت تشكله الحركة الاسلامية التي رفضت اعتماد برنامج سياسي واضح يقبل به المجتمع الدولي. وقد لعبت «حماس» بذلك لعبة اسرائيل القائمة على كسب الوقت. بالنسبة الى «حماس»، يعمل الوقت في مصلحة القضية الفلسطينية واسترداد الحقوق المغتصبة، بما في ذلك كل ارض فلسطين من النهر الى البحر ومن البحر الى النهر، في حين ان اسرائيل ترى بدورها ان الوقت حليفها وان كلّ من يضيع الوقت يساعدها في خلق امر واقع جديد. وما اكثر الامور الواقعة التي تسعى الدولة اليهودية الى خلقها على الارض، بغية فرضها على الجميع لاحقاً، معتمدة سياسة قائمة على ان لا وجود لشريك فلسطيني يمكن التفاوض معه. اما السبب الآخر الذي يمكن ان يساعد في التوصل الى تسوية ما فهو يتمثل في ان هناك قناعة عالمية بدأت تتبلور بأن المكان الوحيد الذي يمكن فيه تحقيق انجاز في الشرق الاوسط هو فلسطين. وان مثل هذه التسوية ستساعد في التفاف اوسع حول جبهة الدول المعتدلة في المنطقة. وبكلام اوضح، ليس في استطاعة الدول المسماة بالمعتدلة المساعدة في مواجهة الخطر الذي تشكله السياسة الايرانية من دون حل في فلسطين. الأكيد ان صفقات الاسلحة الاميركية، اياً تكن نوعية الاسلحة المقترحة، لن تساعد وحدها في نشوء حلف حقيقي للمعتدلين يتبع سياسة اكثر هجومية في التصدي للاطماع الايرانية الممتدة من افغانستان الى السودان مروراً بالعراق وسوريا ولبنان وفلسطين. باتت هناك قناعة لدى الدول الكبرى على رأسها الولاياتالمتحدة ان ليس في الامكان احتواء الوضع في الشرق الاوسط من دون البدء بفلسطين، القضية التي كانت الى ما قبل فترة قصيرة ام القضايا في المنطقة نظراً الى انها تعتبر قبل اي شيء آخر قضية شعب سُلب منه حقوقه المشروعة «غير القابلة للتصرف» استناداً الى قرارات الاممالمتحدة. من الصعب الجزم بأن هذين السببين، اي هامش الحرية في التحرك لدى الرئاسة الفلسطينية والقناعة الدولية بوجوب تحقيق تسوية، كفيلان بحمل اسرائيل على تغيير سياستها الهادفة الى تكريس الاحتلال للقدس الشرقية ولجزء من الضفة الغربية. لكن ذلك يجب الا يدفع الجانب الفلسطيني الى اليأس. على العكس من ذلك، يفترض به اعادة لملمة أوضاعه والعمل من منطلق ان التسوية ممكنة وان قضيته في أيد أمينة بعيداً عن اي نوع من المزايدات متى توافر البرنامج السياسي الواضح المقبول من المجتمع الدولي. ولعل الخطوة الاولى التي عليه اتخاذها التوصل الى مصالحة على أسس اكثر من واضحة بين «فتح» و «حماس» تعيد الامور الى نصابها، اي الى ما كانت عليه الاوضاع في غزة. ان الجهود التي بذلتها اليمن اخيراً عبر الرئيس علي عبدالله صالح اكثر من صادقة وهي تصب في اتجاه في غاية الوضوح يتلخص بان مصلحة الفلسطينيين تقضي باتمام المصالحة اليوم قبل الغد نظراً الى ان ما حصل لا يخدم القضية في اي شكل ولا يخدم سوى اسرائيل. من هذا المنطلق يبدو مطلوباً من الرئاسة الفلسطينية اظهار بعض المرونة والابتعاد عن الكلام القاسي، ذلك ان ما لا بدّ من الاعتراف به هو انه كانت هناك اخطاء من جانب «فتح» ومن جانب بعض الاجهزة الامنية التابعة للسلطة بما خلق حالاً من الفوضى لا يمكن ان يتحملها المواطن العادي. في المقابل، على «حماس» بكل اجنحتها في الداخل والخارج ان تستوعب ان لا افق سياسياً لعملية الاستيلاء على غزة. كل ما في الامر ان القطاع كان عبئاً على اسرائيل والاحتلال، فاذا به يلقيه على السلطة الوطنية الفلسطينية عبر تنفيذ ارييل شارون انسحاباً احادي الجانب. الآن، ونتيجة للتطورات الأخيرة، اعادت الرئاسة الفلسطينية الى الاحتلال هديته المسمومة التي اسمها غزة حيث مليون ونصف مليون فلسطيني يعيشون في ارض لا تتجاوز مساحتها اربعمائة كيلومتر مربع في حال من الفقر الشديد! ليس في الامكان البحث في وضع غزة الا في اطار تسوية شاملة. كل ما عدا ذلك مضيعة للوقت وتكريس لوضع اسمه السجن الكبيرالذي آلت اليه الحال في القطاع. باتت كلّ الاوراق مكشوفة الآن. هناك أمل ضئيل باعادة الحياة الى العملية السلمية لاسباب خارجة عن اردة الفلسطينيين. انها اسباب مرتبطة بالوضع الاقليمي والظروف الدولية. لا امل للفلسطينيين في ان يحققوا اي نوع من التقدم الا اذا استغلوا الفرصة المتوافرة على الرغم من انها ليست مضمونة. ولكن يبقى السؤال الاساسي ما الخيار الآخر المتوافر امامهم؟ هل هو خيار العودة الى المقاومة المسلحة؟ حتى «حماس» تبدو كانها تخلت عن هذا الخيار بعد تحقيق السيطرة الكاملة على غزة. ان الرهان على العملية السلمية هو اللعبة الوحيدة المتوافرة في المدينة. لا لعبة اخرى امام الفلسطينيين. الرهان على العملية السلمية يمكن ان يكون مدخلاً لمصالحة على اسس واضحة لا لبس فيها بين «فتح» و «حماس». ولذلك، يستطيع الفلسطينيون القول عندئذ ان رهانهم على العملية السلمية مكنهم من استعادة وحدتهم الوطنية واعادة مد الجسور المقطوعة بين قطاع غزة والعالم الخارجي، بما في ذلك العالم العربي. قد لا تعود الحياة الى العملية السلمية، لكن الفلسطينيين لا يخسرون شيئاً من اعادة ترتيب اوضاعهم الداخلية بدءاً باعادة التواصل بين الضفة الغربيةوغزة. في النهاية ربحت «حماس» عسكرياً في غزة، لكنها تلقت ضربة سياسية تشكل هزيمة اكثر من بشعة. في حال لم تمتلك ما يكفي من الشجاعة لفهم هذه المعادلة واستيعابها، عليها ان تتذكر ان غزة بقيت معزولة بشكل كامل عن الضفة الغربية بين العامين 1948 و1967 وان في الامكان العودة الى هذه التجربة الى ان يقضي الله امراً... لا خسارة اذا من الرهان على العملية السلمية. اذا لم يربح الفلسطينيون شيئاً من هذا الرهان، يكونوا على الاقل ربحوا انفسهم وبعثوا برسالة الى العالم فحواها ان الدولة المستقلة التي يسعون اليها تضم الضفة الغربية وقطاع غزة عاصمتها القدس الشرقية. من دون هذه الرسالة الواضحة التي تستند الى قرارات الشرعية الدولية، سيمرّ وقت طويل من دون ظهور مجرد بريق امل بان هناك فرصة امام قيام دولة فلسطينية «قابلة للحياة» تشكل كياناً سياسياً يستطيع الشعب الفلسطيني من خلاله ممارسة حقوقه مثّل اي شعب آخر في المنطقة...