إذا كان الاختلاف في الرؤى والاجتهادات أمراً طبيعياً في ظل الديمقراطية والتعددية السياسية والحزبية، فإن جواز هذا التنوع في المفاهيم لا يجب أن يستغل بأي حال من الأحوال للخروج عن الضوابط الديمقراطية والقانونية والثوابت الوطنية التي تشكل المرجعية والإطار الناظم للحياة السياسية والحزبية والتي يتعين على الجميع احترامها، والنأي بها عن عوامل الاختلاف أو التباين في وجهات النظر، وكذا النوازع الذاتية والأهواء الضيقة والدوافع الأنانية التي تسيطر على عقلية البعض من ضيقي الأفق الذين يتعاملون مع قضايا الوطن من منظور انتهازي ومفردات المتاجرة السياسية، حيث وأن مثل هذه السلوكيات تتعارض وتتناقض كلياً مع قيم الديمقراطية وأخلاقياتها، بل أنها التي تسيء إساءة بالغة لتلك القيم وتلحق الضرر الكبير بأسس الديمقراطية وقاعدة التنوع والتعدد في الآراء. وتدلنا هذه المؤشرات على أن هناك بوناً شاسعاً بين التنوع وتعدد الآراء والاجتهادات الفكرية التي يجد فيها المرء فرصته للتعبير عن وجهة نظره، أكان ذلك على مستوى الحزب الواحد أو في علاقات الأحزاب ببعضها البعض وبين الطرح الذي يتجاوز معايير العمل السياسي والحزبي والسقوف الدستورية والقانونية، خاصة وأن الأحزاب نفسها تستمد مشروعيتها من تلك المعايير، ولا يصح لأي منها التبرير أو السكوت عن انتهاك مثل تلك المحددات، باعتبار أن تغاضيها وعدم إدانتها لتلك التصرفات إنما هو الذي يظهرها أمام الآخرين بأنها متوافقة مع تلك الاندفاعات التي تقفز فوق حدود اللياقة وموجبات العمل السياسي والحزبي الذي توافق عليه الجميع. ومن المؤكد أن عدم مقابلة مثل هذه المواقف النشاز بجدية هو خطأ جسيم سينعكس بسلبياته على كل من يقبل به أو يمارسه. ومن مصلحة جميع المصفوفة الحزبية والسياسية أن تجسد في ممارستها للعمل الديمقراطي المعاني الراقية التي تجعل من التنوع والتعدد في الرؤى نافذة لإثراء الواقع بالاجتهادات البناءة التي يتنافس فيها الجميع من أجل تقديم الأفضل لليمن وأبنائه، لتبرهن هذه الأحزاب على أن وجودها هو من أجل البناء والإنجاز وتحقيق التطور السياسي والنهضة الإنمائية التي تهيىء للوطن المزيد من فرص النجاح في مختلف الميادين والأصعدة. وعلى تلك العقول الجامدة والمتحجرة ان تصحو من سباتها لكي تدرك أن يمن ال22 من مايو أصبح محصناً اليوم بإرادة أبنائه، ولن يستطيع أي عابث المساس بمكاسبه أو النيل من ثوابته. ومن يتوهم غير ذلك إنما هو كمن يلهث وراء السراب.