لا ينتج التطرف في الانغلاق الفكري سوى حالة من الاختلال الذهني والنفسي التي يصعب معها التعرف على الحقيقة والاعتراف بأهمية وسلامة انتهاج سبيلها. حيث يكون التجرد من القيم والمقومات الاجتماعية والإنسانية والروحية معيار انتماء المصاب بذلك الداء إلى الحياة وطموحاته فيها محصورة في تمثل غايات الانحطاط المستندة إلى مقولات العبثية والتدميرية "أنا ومن بعدي الطوفان" و"عليّ وعلى أعدائي" و"هدم المعبد على من فيه" وتقدم هذه الأنانية المتضخمة التفسير الحقيقي للسلوك السيئ الذي تطبعت به عناصر التطرف والإرهاب التي مازالت تتمترس في كهوف بعض مناطق محافظة صعدة والتي أساءت التقدير لمبدأ التسامح الذي التزمت به الدولة حرصاً منها على حقن الدماء وصون المقدرات التي يمكن إهدارها إذا ما لجأت إلى خيارات أخرى. ومع ذلك لم ترع تلك العناصر المتطرفة والضالة عهداً أو ميثاقاً بل إنها التي ازدادت عتواً ونفوراً إلى درجة أنها من تصورت أن بمقدورها الانقلاب على مجريات العصر والعودة باليمن إلى أزمنة الظلام وعهود الكهنوت والاستعباد التي تخلص منها شعبنا بانتصار ثورته المباركة وقيام النظام الجمهوري بمبادئه التي حررت الإنسان اليمني من أبشع أنواع الرق والاستبداد. ومن هذا المستنقع انطلق العمل الانتحاري وليس العملية الانتحارية الذي أقدم عليه المجرمون بعدوانهم على المصلين في جامع بن سلمان بمدينة صعدة حيث أظهروا بتلك الجريمة حقيقتهم الرافضة للتعايش مع المجتمع والتصالح مع الوطن، والالتزام بالقيم الصحيحة للدين الحنيف، ولا يتعدى هؤلاء بفعلتهم غير كونهم مشاريع قتلة إن لم يكونوا قد بلغوا المستوى الاحترافي ويدل عليه رفضهم لكل محاولات إحلال السلم وإعادة الأوضاع في بعض مناطق صعدة إلى طبيعتها. وتأتي الجريمة الأخيرة لتضيف شاهداً جديداً على اتساع نطاق عدوانيتهم لتعم كل مواطن وكل الوطن وهم الذين لا يريدون الخير لليمن إلى جانب ما تثبت عنهم ان لا خير فيهم للمناطق التي يتحصنون فيها والحاصل أنهم يضيفون إلى ممارساتهم الإرهابية والتخريبية رفضهم للحلول رغم ما توفرت للوساطات والمساعي المبذولة من الضمانات وفرص النجاح. ومن لايثق بالآخرين أو يأمن إلى المبادئ والأخلاقيات الغدر ديدنه وقد تجلى هذا المعنى في انتهاك عناصر هذه الشرذمة لتفاهمات وتوافقات الحوار بعد أن زين لهؤلاء خيالهم المريض ان تماديهم في العنت والعناد سيمكنهم من بلوغ مراميهم التي يعدونها حقاً إلهياً ينفثون من خلالها النفس الكهنوتي الكريه. ولا نشك في أنهم الذين لا يدركون أن إعادة عجلة التاريخ إلى الوراء مستحيلة بمنطق الحياة وسنتها وبإرادة شعب قدم الغالي والنفيس في سبيل استعادة حريته وامتلاك قراره. وهي العودة المستحيلة بحكم الواقع الذي صار يستمد حيويته من عطاءات جيل جديد مشبع بقيم التطلع نحو الأجد والأحدث متسلح بوعي المواكبة للمعطيات العلمية والتقنية للحياة العصرية. وعلى من تستبد به الأحلام الماضوية أن يخوض مواجهة مميتة مع الأجيال اليمنية التي حملت فكر التغيير على امتداد تاريخ نضالي وطني طويل انطلق منذ زمن ما قبل الثورة اليمنية وتواصل عبر مراحل الدفاع عن نظامها الجمهوري وتتويج أهدافها الوطنية بإعادة تحقيق الوحدة وإقامة نظامها الديمقراطي. وقد كان من مصلحة هؤلاء الظلاميين أن يسقطوا من حساباتهم ما صار في حكم المستحيل خاصة وأنهم يعرفون ذلك تمام المعرفة. إن الإصرار على مواصلة السير على دروب الهلاك سيدفع بهم إلى محرقة هي بالتأكيد خارج نطاق تحكمهم خاصة بعد أن استنفدت الدولة كل الوسائل وصارت ملزمة من قبل الشعب بالقيام بمسئولياتها في بسط النظام والقانون والرد الشافي على العنف والتخريب والإرهاب بإجراءات حاسمة قادرة على إعادة الأمور إلى نصابها.