إن ما تقوم به بعض العصابات في بعض المحافظات اليمنية هو من أشد أنواع البغي، وذلك يتطلب اصطفافا وطنيا لإيقافه بهدف صيانة الدماء اليمنية.. فما من شك بأن من يتعاطف مع هذه العصابات أو يبرر لها تصرفاتها أو يساوي بين أفعالها وما تقوم به القوات المسلحة والأمن من ردع لها يعتبر من البغاة أيضا والذين عليهم أن يتوقعوا أن الدوائر ستدور عليهم جميعا. البغي هو التعدي على الآخرين بهدف أخذ حقوقهم أو إجبارهم على التسليم للبغاة بمزايا ليست مشروعة لهم، حيث أن ذلك من أبشع أنواع الظلم سواء كان ذلك تصرفا فرديا أو جماعيا ولا شك أن البغي الجماعي أشد خطرا من البغي الفردي.. فالأخير وإن كان أكثر شيوعا فإنه أقل خطرا ويسهل التعامل معه وإيقافه، أما الأول فإن احتمال حدوثه يكون ضئيلا، فإذا ما استطاع الشيطان استهواء البعض فإن استهواءه للجميع يكون أكثر صعوبة، ولذلك فإنه من المتوقع أن يقف من لم يستهويهم الشيطان في وجه الآخرين فيردعونهم عن بغيهم، أما إذا ما استطاع الشيطان إغواء جماعة بكاملها فإن خطرها على الأمة سيكون كبيرا وبالتالي فإن مواجهته يصبح واجبا على بقية أفراد الأمة. إن ترك البغي الجماعي بدون ردع هو من قد يؤدي إلى تدمير الأمة بكاملها.. ذلك أن بغي الأفراد ضد بعضهم البعض وبغي الجماعات ضد بعضها البعض يحد منه دفاع الأفراد المظلومين والجماعات المظلومة عن أنفسهم ونفسها بأي شكل من الأشكال. أما بغي الأفراد والجماعات ضد الدولة فهو أكثر ضررا ذلك أن البغي ضد الدولة هو في الحقيقة بغي ضد الجميع بمن فيهم البغاة أنفسهم وكذلك فإن الدولة قد لا تجد من يدافع عنها بنفس الحرص. فقط الوطنيون المتجردون هم الذين يدافعون عن الدولة وعن الوطن بحماس أكبر من دفاعهم عن مصالحهم الشخصية. ولذلك فإن التعامل مع بغي الأفراد وبعضهم البعض وبغي الجماعات وبعضها البعض يختلف جذريا عن التعامل مع البغي الموجه ضد الدولة.. فقد يكون السعي لإصلاح ذات البين هو الطريقة المثلى في الحالة الأولى.. أما في الحالة الثانية فإن الردع وتطبيق القانون بصرامة هو الطريقة المثلى.. ولذلك فإنه لا صلح ولا تسامح مع البغاة الذين يحملون السلاح ضد الدولة ويصرون على الاحتكام إليه. فقد أوضح الله تعالى والسنة المطهرة حكم البغاة بشكل واضح وجلي.. قال الله تعالى: (إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وارجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض ذلك لهم خزي في الدنيا ولهم في الآخرة عذاب عظيم «المائدة:33») وقال: (وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله فإن فاءت فأصلحوا بينهما بالعدل واقسطوا إن الله يحب المقسطين «الحجرات:8)، فالصلح مفضل في حال حدوث بغي فردي - فردي أو جماعي - جماعي لكن عندما يكون البغي موجها ضد الدولة مع رفض الانصياع للحق فإنه يكون بغيا على المجتمع كله أي على الدولة وفي هذه الحالة فإنه لا بد من إيقافه بكل الطرق الممكنة.. لأن تركه بدون ردع سيغري كل من تسول له نفسه ظلم الآخرين اللجوء إلى القوة لتحقيق مطامعه ولا شك أن وضعاً كهذا سيصيب ضرره كل فئات المجتمع. إن إصرار أي جماعة باغية على عدم الانصياع لرأي الغالبية وتفضيلها القتل على السلم يوجب على بقية فئات المجتمع مواجهة القوة بالقوة.. وفي حال نجاح المجتمع في ردع الجماعة الباغية بالقوة فإنه يجب تطبيق قواعد العدل عليها بصرامة فلا عفو ولا تسامح مع أي فرد أو جماعة بغت على الآخرين وأصرت على استخدام القوة. إن الاعتراض على بعض تصرفات الحكومة من خلال الوسائل التي يحددها الدستور والقانون ليس بغيا لكن الاعتراض على مبادئ وأسس الدولة بواسطة القوة يعد بغيا كبيرا.. فالحكومة ليست معصومة وبالتالي قد يقع منه أخطاء ومن ثم فإن الاعتراض عليها قد يؤدي إلى تصحيحها.. ومن جهة أخرى فقد يؤدي ذلك إلى توضيح سوء الفهم الذي قد يكون حصل لدى الفئة المعترضة، أما التمرد المسلح على الدولة فإنه يمثل خيانة وإعتداء على الثوابت التي أجمعت الأمة عليها. إن السماح بذلك سيغري أي أقلية للتحكم في الأغلبية وفرض رؤاها عليها بالقوة، ولاشك أن ذلك أمرا غير مسموح به لأنه سيؤدي الى تقويض الدولة من أساسها، وفي هذه الحالة فإن الاستقرار السياسي والاجتماعي سيكون في خطر وكذلك فإن العدالة تصبح غير قابلة للتحقق. ويؤيد وجهة النظر هذه العديد من الآيات القرآنية، حيث يقول الله تعالى «كان الناس أمة واحدة فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين وأنزل معهم الكتاب بالحق ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه وما اختلف فيه إلا الذين أوتوه من بعدما جاءتهم البينات بغيا بينهم فهدى الله الذين آمنوا لما اختلفوا فيه من الحق بإذنه والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم» (البقرة 213)، ويقول أيضا «لقد ابتغوا الفتنة من قبل وقلبوا لك الأمور حتى جاء الحق وظهر أمر الله وهم كارهون» (التوبة 48)، ويقول أيضا «الذين يستحبون الحياة الدنيا على الآخرة ويصدون عن سبيل الله ويبغونها عوجا أولئك في ضلال بعيد» (إبراهيم 3) ويقول أيضا «إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون» (النحل 90). ولذلك فإن قتل من يتصدى للفئة الباغية شهداء ينطبق عليهم جميع أحكام الشهداء المعروفة لأنهم مقتلون بغيا وظلما، أما قتلى الفئة الباغية فلا يصلى عليهم لأن عليا كرم الله وجهه لم يصل على أهل حروراء، ويحرم دفع الزكاة للبغاة لأن في ذلك انصياعا لبغيهم وإعانة لهم على ذلك، ويحرم بيع السلاح إليهم أو تقديم أي عون مادي أو معنوي لأنه إعانة على البغي والظلم ويكره شراء السلاح من البغاة مخافة أن يؤدي ذلك إلى توفير التمويل لهم، ولا يجوز توفير المأوى للبغاة لأنهم يشكلون خطرا على المجتمع وعلى من يؤويهم، ولا يجوز تبرير أفعالهم أو الترويج الإعلامي لهم.. وكذلك لا يجوز التقاضي إليهم ولا تنفيذ أحكامهم ولا الانصياع لأوامرهم. وعلى الرغم من أن ما تقوم به بعض العصابات في صعدة هو تحد للدستور والقانون اليمنيين وقتل لأفراد القوات المسلحة والأمن والمدنيين وقطع للطرق وترهيب للمواطنين وإقلاق للسكينة العامة هو من أعمال البغي فإن العديد من القوى السياسية لا تتعامل معهم على هذا الأساس، وبالتالي فإن حكم البغاة ينطبق عليهم أيضا. إن على جميع القوى السياسية إدانة تصرفات هذه الفئة الباغية والوقوف مع الدولة ومع أفراد القوات المسلحة والأمن بدون قيد أو شرط أو استثناء، فاختلاف هذه القوى مع الحكومة أو الحزب الحاكم لا يبرر لهم المواقف التي اتخذوها تجاه هذه الفئة الباغية. وعلى وجه الخصوص بعد أن أعطت الحكومة هذه الفئة الفرص تلو الفرصة للعودة عن بغيها، ولكنها بشهادة الجميع بمن فيهم ممثلو هذه القوى أصرت على المضي في غيها. ولذلك فإنه لا يحق لهذه القوى ولا لغيرها مطالبة الحكومة بالمهادنة معها ولا يحق لها حتى أن تقف موقف المحايد من الأفعال التي ترتكبها هذه الفئة لأنها في هذه الحالة ستكون شريكة لها وتتحمل جزءاً من مسؤولية الأفعال التي ترتكبها هذه الفئة، ونفس الأمر ينطبق على وسائل الإعلام والإعلاميين فلا يحق لهؤلاء أن يروجوا لمغالطات هذه الفئة، فأعمالها تستهدف النظام العام التي تظهر هذه القوى قبولها به والتزامها بالحقوق والواجبات المترتبة عليه، وبالتالي فإنها ملزمة قانونا أن تدافع عن هذا النظام وملتزمة أخلاقيا أن تنحاز إلى النظام ضد أعدائه وملزمة دينيا أن لا تتعاون مع الإثم والعدوان وملزمة وطنياً أن لا توجه أي طعنات لأفراد القوات المسلحة والأمن الذين يدافعون عن الوطن وملزمة مهنيا أن تنحاز للحقيقة. إن شعبنا لن يغرف لكل من قام بإراقة الدم اليمني بدون وجه حق ولكل من تعاون مع من قام بذلك ومع كل من داهن في ذلك ومع كل من تخلف عن القيام بواجبه تجاه ذلك، ولا شك أن الشعب هو المنتصر في النهاية أما الباغون ومن يقف معهم فلابد أن تدور عليهم الدوائر طال الوقت أم قصر.