ليس الفلسطينيون في الوضع الذي يسمح لهم بالتنازع في الرؤى والتصادم في المواقف السياسية في ما بينهم وبشكلهما السلمي ناهيكم عن حدوث المواجهات الدموية. وينبغي للأراضي الفلسطينية أن تكون خالية من كل سبب ومبرر للتوتر الوطني أو هي كذلك بالفعل باعتبارها ساحة نضال من أجل نيل الحقوق الوطنية المشروعة. وغير المقبول من كافة فصائل وقوى النضال التحرري أن يوجه أي منهم السلاح إلى صدر أخيه في القضية والمصير وفي وقت يقعون فيه في نطاق الاستهداف العدواني للاحتلال الصهيوني الذي يتمنى بل يسعى ضمن أجندته المرسومة إلى تصفية الجميع ومحو القضية من ذاكرة التاريخ. وكان للجمهورية اليمنية موقفها المبادر ومنذ الاطلالة الأولى لبوادر الخلاف إلى تنبيه الأشقاء في أراضي السلطة الفلسطينية إلى خطورة التصارع على سلطة لا تزال بلا مضمون واقعي إن لم تكن وهمية. والأحرى من وجهة النظر اليمنية وكما هو المؤمل عربياً أن يكون ما حدث من مشاركة لحماس في الانتخابات وفوزها ومشاركتها في تولي مسئوليات القيادة الحكومية خطوة تأسيسية لمرحلة اكتساب الخبرة في إدارة الشأن الفلسطيني والتعامل مع مختلف المؤامرات الخارجية المحيطة بالقضية في صورة هي أقرب إلى عملية التهيئة الانتقالية نحو الهدف الاستقلالي المتعلق بإقامة الدولة الفلسطينية. وكان لهذا الأمل أن ارتسم في إطار التصور العربي المتطلع لأن تكون الشراكة في تحمل مسئوليات السلطة سبيلاً لإزالة الملابسات وحالات سوء الفهم والظن أيضاً والمؤدية إلى اتساع فجوة التباين والحيلولة دون اندفاعها إلى نقطة القطيعة. ولم يكن الأمر محصوراً في التعبير النفسي التصوري أو الخيالي بل أنه جاء متطابقا مع المنطق الطبيعي للقضية وضروراتها النضالية بما تقتضيه من وحدة التوجه والهدف الذي يمكن له أن يستفيد من تنوع الأساليب المحكومة بتوزع الأدوار لا التنازع عليها. ويتضخم حجم فداحة المواجهة الدموية التي تجري لتصل حد الكارثة بحسابات ما آلت إليه الأمور من نسف لكل منطق موضوعي ومسئول وإلقاء المصير الوطني في مهب الرياح. ويخسر أطراف المواجهة ويجنون على قضية وحقوق شعبهم في كل الأحوال حين يتسببون بأفعالهم في انتقال الأوضاع من وضع إلى آخر أكثر سوءاً وتدهوراً، وعندما يفوتون الفرصة تلو الفرصة للمصالحة الوطنية ويوصلون الاهتمام العربي بمبادراتها ووساطاتها إلى حالة فقدان الشعور بالاكتراث أو درجة التجمد. والراجح أن تعرض المواجهات الحاصلة إلى عمليات تصعيد من شأنه أن يوصل الأمور إلى نقطة اللاعودة وهو ما لا ينبغي السماح به فلسطينياً وعربياً. وحتى في ظل بقاء الأوضاع على حالها فإن الطريق يغدو مسدوداً أمام خيارات التجاوز الذاتي الوطني والثنائي للمعضلة ووضع حد ونهاية لها ما يدعو إلى منح فسحة الأمل المتبقية للمبادرات والوساطات العربية لمساعدة الأشقاء على استعادة وضعية التوافق كحد أدنى. ولا تزال اليمن بزعامة الأخ الرئيس علي عبدالله صالح رئيس الجمهورية في ما تقدمت به من مبادرة وما بذلته من مساع، المخرج الحقيقي والأمثل للقضية، من النفق المظلم الذي أدخلت فيه. ويظل النجاح بعيداً عن متناول كل مبادرة ووساطة ما لم يعد الأشقاء حساباتهم ويعودوا إلى جادة الصواب الوطني. وليت الأخوة الأعداء يتأملون في حال إخوتهم في الشتات الذين يسلبهم تصارعهم حلمهم في العودة إلى الوطن وتنتابهم كوابيس الحلم بالعودة إلى العقل، ويغدو معه الرجوع إلى العقل أول الطريق للإياب إلى الوطن.