تعيد التطورات السلبية المتجهة نحو التصعيد الصدامي التذكير بالمبادرة اليمنية لرأب الصدع في الصف الفلسطيني وتزيد من تأكيد ضرورات الحوار الجاد والتوافق المسئول حول البدائل، التي تقترحها للخروج من الأزمة القاتلة لفلسطين. وليس من باب تزكية النفس أو ادعاء الأفضلية عن الغير معاودة الحديث عن هذه المبادرة وقد سبق عرضها باعتبارها نقاطاً مستخلصة من مختلف التصورات والأدوار العربية التي تواصل بسعي الحل للخلاف بين الفصيلين الرئيسيين في ساحة النضال الفلسطيني. وتلك واحدة من ميزات الجهد اليمني الذي يتوافر على عناصر الموضوعية وعدالة الموقف مما هو دائر وصدوره من منابع الارتباط والالتزام المبدئي بالحق الفلسطيني في التحرر والاستقلال. وكانت الآمال اليمنية العريضة والواردة في خطاب الدعوة الموجهة للأطراف الموقعة على اتفاق صنعاء أن يواصل الأشقاء اللقاءات المعنية بالبحث في الشأن التنفيذي لبنود المبادرة. والمؤسف وبطعم المرارة أن ذلك لم يحدث وربما إليه وعدم التعاطي الجديّ مع ما سبق من مبادرات عربية يعود السبب في الاتجاه العكسي الذي اتخذه مسار الأحداث واندفاعه نحو التداعيات المهلكة. وتضيق الخيارات أمام طرح مخارج بديلة عن الأزمة الخطيرة التي تمر بها القضية طالما ظل الأمر فلسطينياً على حال العجز عن إطلاق أي بادرة لإمكانية الحل الذاتي للصراع الفلسطيني البيني. ويزيد الأمر رسوخاً في القناعات متصفاً بالمنطقية والواقعية دخول الصراع منطقة المواجهة الدموية التي تعمق الجروح وتطيل من أمد التداوي منها. ويفتح ذلك الباب أمام العمل على إيجاد صيغة انتقالية للتوافق الوطني وفق معايير حيادية إيجابية، تتيح للأطراف المحتربة أن تحظى بفسحة من الوقت الكافي، لالتقاط الأنفاس، واستلهام دروس وعبر التجربة البائسة، التي مرت بها وتجرعت مراراتها، وتدارسها بالتالي وفق مقتضيات إعادة تشكيل الرؤى وتصويب المواقف. ويشهد واقع الحال أن ذلك هو المطلوب، بل المفروض عمله من زاوية الموجبات الوطنية والدينية، باعتبار أن التشظي الجغرافي لأراضي السلطة الوطنية لم يدفع بالموقف الإسرائيلي للتفريق والتمييز بين طرفي المعادلة النضالية الفلسطينية، في المعاملة بمعايير الحبيب مع طرف والعدو مع الآخر. ولقد كان القطاع والضفة مستهدفان معاً وبدرجة متساوية من العدوانية، المعقودة حبالها بتوجهات تصفوية تلبي غايات التطلع الصهيوني للاستئثار والتفرد في المنطقة بأكملها. ومع تباعد الشقة واتساع الفجوة بين الفلسطينيين تدنو المسافات ويقترب الأوان من معانقة الحلم الأمني الإسرئيلي بأبعاده المختلفة والكاملة وفرض صيغته الاحتوائية لعملية السلام. وما كان لكل فلسطيني وعربي ومسلم إلاّ أن يختار ويفضل الموت على أن يأتي اليوم الذي يرى فيه قضيته الوجودية في مهب الريح وعرضة للضياع. ويظل العرب والمسلمون معنيين بعملية إنقاذ الأوضاع من الانهيار طالما وأن انعكاساتها السلبية بل الكارثية تطالهم جميعاً. وأمام آخر معاقل التحدي المصيري وإثبات الذات والحفاظ على الحق في الوجود يتحتم على الجميع أن يضطلع بمسئولياته ويؤدي ما عليه من دور كما ينبغي. والساكت عن الحق شيطان أخرس.