لا حاجة للبحث عن براهين على قوة بلدان الخليج العربي وحجم غناها الاقتصادي فالارقام الخرافية عن عوائد المحروقات التي حلقت أسعارها في السماء خلال العامين المنصرمين تجري على كل شفة ولسان، ويتم تداولها في مراكز القرار العالمي المختلفة، وهذه الارقام تزداد أهمية اذا ماقيست ايضا بالديموغرافية الخليجية المتواضعة، ولاحاجة للبحث عن براهين على انتقال منطقة الخليج الى موقع مرموق بين دول العالم المهمة خلال أقل من ربع قرن الى حد أن كثيرين يعتبرون أمنها واستقرارها الاقتصادي جزءا لا يتجزأ من الامن والاستقرار الاقتصادي العالمي. ولا حاجة للبحث عن براهين على أن أمن واستقرار الخليج لم يكن ولا هو اليوم ولن يكون عسكريا بحتا، وذلك رغم اهمية الجانب العسكري كرادع أمني ضروري ذلك أن الامن الحقيقي لدول مجلس التعاون يكمن بتوفير شرطين حاسمين الاول يتصل بحل مشكلة الضعف الديموغرافي الخليجي والثاني يتعلق بالبيئة التي تنمو في اطارها الثروة الخليجية. وفي مقاربة الشرط الاول يمكن القول ان تضخيم الاحصائيات السكانية الخليجية ليس حلا للمشكلة وان كان يدخل الطمأنينة الى بعض القلوب ولعل العلاج يبدأ من مواجهة الارقام الفعلية للسكان ومن ثم اعتماد استراتيجية ديموغرافية طموحة وجريئة تستند الى الاسس التالية: أولا: الالتزام بسياسة تعريب جدية وصارمة وملزمة للعاملين الاجانب في كل دول الخليج والتعريب مفيد للاندماج عبر الزواج المختلط بين العرب والاجانب وعبر التجنيس رغم محدوديته لكنه مفيد ايضا على الصعيد المعنوي عبر اقناع العاملين الاجانب أنهم يعيشون في بلدان عربية هويتها محددة ومهمة ولا يعيشون في سوق متعدد اللغات ولا تحده حدود حضارية وعليه ربما يتوجب اشتراط اللغة العربية كبند الزامي في اضبارة إقامة العمل. وليس لدول الخليج ان تخجل من هذا الاجراء ذلك ان كل الدول الغربية الثرية تضع هذا الشرط على راس جدول شروط إقامة العمل وكل الدول الثرية تعاني كما دول الخليج من ضعف ديموغرافي وهي تعالجه عبر دمج الاجانب لغويا وحضاريا وتحويلهم من بعد الى وطنيين. ان شرط اللغة العربية يمكن ان يكون مفيدا حتى بالنسبة للعمال والموظفين الذين لا يستقرون في الخليج الا لفترة مؤقتة فهؤلاء عندما يعودون الى بلدانهم الاصلية سيصبحون بمثابة سفراء للثقافة والحضارة العربية وجسرا للتواصل الحضاري وهنا ايضا يمكن المقارنة مع الدول الغربية التي تنشر لغاتها وحضارتها بواسطة برامج لغوية تشجيعية وعبر شرط اللغة للاقامة والحصول على الجنسية والزواج المختلط الى .. الخ. واذا كان صحيحا ان توسيع القاعدة الديموغرافية الخليجية يمكن ان يتم عبر سياسية عائلية تشجيعية فالصحيح ايضا أن هذا الحل يعالج جزءا من المشكلة والجزء الباقي يكمن في سياسة تجنيس واسع لذوي الاقامات الطويلة ممن تتوفر فيهم شروط التجنيس ومن بينها اجادة العربية كتابة وحديثا وقراءة، وفي هذا الاطار يمكن اعطاء الاولوية للعرب المقيمين والذين اندمجوا في العادات والتقاليد المحلية. من هذا الباب ندخل الى البيئة المحلية التي تنمو في اطارها الثروة الخليجية، هذه البيئة محدودة في جزئها المباشر بالجزيرة العربية وفي اطارها الاوسع بالعالم العربي، وفي الحالتين يحتل اليمن موقعا مفضلا، فهو يشرف على جنوب الجزيرة ويشرف على باب المندب ويواجه القرن الافريقي ويحتل واجهة مهمة على المحيط الهندي وبالتالي يمكنه في حال اندماجه الكامل بمجلس تعاون دول الخليج ان يكون قاعدة مهمة للمجلس وفقا لموقعه وان يزيد المجلس قوة وأهمية استراتيجية ناهيك عن ان دول المجلس يمكن ان تقفل حدود شبه الجزيرة العربية وتحصر سيادة المجلس عليها وهو امر في غاية الأهمية في العلاقات الدولية. من جهة ثانية ينطوي اليمن على احتياطي ديموغرافي في غاية الاهمية بالنسبة لدول مجلس التعاون ليس فقط من حيث حجم هذا الاحتياطي وإنما ايضا في سهولة اندماجه بدون كلفة تذكر فالثقافة واحدة واللغة واحدة والدين واحد والعادات شبه واحدة اضف الى ذلك ان الفارق الهائل في مستوى الدخل بين الخليجيين واليمنيين يمكن ان يوفر عمالة مفيدة للسوق الخليجية بأكلاف بسيطة نتيجة القرب الجغرافي و نمط الاستهلاك. ومن جهة ثالثة يمكن لليمن بتراثه المعروف أن يشكل معينا لدول مجلس التعاون في اطار خطة دفاعية شاملة للجزيرة العربية ولعل الاندماج اليمني في مجلس التعاون يمكن ان يلفت انظار القوى الدولية و الاقليمية الطامعة الى قدرة دول الخليج واليمن على ردع الطامعين وحماية مصالح سكان الجزيرة العربية كما يمكن أن يعزز موقع دول الخليج في الشراكة الاستراتيجية مع الدول الكبرى. ومن جهة رابعة يمكن لاندماج اليمن في مجلس التعاون ان يضع حدا لفكرة خاطئة وموروثة من الحرب الباردة تقول أن النمو والاستقرار والأمن داخل شبه الجزيرة العربية يمكن ان يتحقق في اطار التنافس الداخلي بين الدول القائمة فيها فقد بينت الوقائع ان القارة الاوروبية التي تفوق شبه الجزيرة بما لا يقاس قوة واقتصادا واجتماعا وموقعا لم تتمكن دولها من العيش في ظل النظام السابق القائم على دول متنافسة في فضاء واحد فكان ان نقل الارووبيون مجال التنافس الى خارج قارتهم وحققوا بذلك فوزا كبيرا لكل مكونات القارة ويمكن للدول في شبه الجزيرة العربية ان تسير على الرسم نفسه فتربح جميعا بدلا من ان تكون تحت رحمة الديموغرافيا والمطامع الكامنة في مارواء الحدود حيث تقع قوميات ودول تناضل هي الاخرى من أجل مواقع افضل في الهرمية العالمية ولن يضيرها ان يتم ذلك على حساب العرب وربما رغما عنهم. ما من شك ان اليمن يربح من الاندماج الكامل في مجلس تعاون الخليج ولكن تربح دول الخليج ايضا من هذا الاندماج فاليمن يمكن ان يكون حديقة الخليجيين الخضراء وسهلهم الخصب ومرجعهم التراثي ومينائهم الاستراتيجي ومجالهم الاستثماري الجذاب وقلعتهم المنيعة...الخ لهذه الاسباب يجدر با اليمن ودول مجلس التعاون الخليجي توقيع وثيقة الاندماج الكامل اليوم قبل الغد حتى لااقول قبل فوات الاوان.