مع أنها ليست المرة الأولى التي يلتقي فيها فخامة الرئيس علي عبدالله صالح بأرباب القلم والكلمة من الصحفيين والإعلاميين، إلا أن ما يميز اللقاء الإعلامي التشاوري الموسع الذي عقد يوم أمس برعاية الأخ الرئيس هو ملامسته بشكل مباشر لهموم المهنة الصحفية والإعلامية وسبل ممارسة حرية الرأي والتعبير والدور الذي يمكن أن تلعبه الصحافة ووسائل الإعلام الأخرى على صعيد إثراء وترسيخ قيم الحرية والديمقراطية والتعددية السياسية، باعتبار ذلك يمثل إحدى الوظائف الأساسية والرئيسية التي يتعين على وسائل الإعلام الاضطلاع بها وبما يجعل من الرسالة الإعلامية رافعة لعملية الرقي الديمقراطي وتقدم مساراته على نحو صحيح وسليم ومتحرر من كل رواسب الماضي الشمولي وثقافته البالية. ولعل من تابع ما ورد في كلمة فخامة الأخ الرئيس في هذا اللقاء سيجد أننا في اليمن قد انفتحنا على الديمقراطية وحرية الرأي والتعبير على أوسع نطاق وأننا بفضل هذا الانفتاح قد أنجزنا الكثير من التحولات التاريخية في مجالات عدة، وأن ما نحتاجه اليوم هو كيف نحمي هذه التحولات من التجاوزات والمفاهيم الخاطئة والرؤى الجامدة التي تحاول بين حين وآخر إعاقة حراكنا الديمقراطي وزرع الأشواك في طريقه عبر خلق حالة من التشويش وإظهار الديمقراطية وحرية الرأي والتعبير في قالب منفلت لا تحكمه معايير أو تقاليد أو ضوابط، وذلك ما نبه إليه فخامة الأخ الرئيس بتأكيده على أن هذا النزوع الفوضوي هو في حقيقة الأمر يستهدف المسار الديمقراطي وحرية الصحافة ومقاصدهما النبيلة. ومن هذا الطرح يبدو واضحاً أن مكمن الخطر على الديمقراطية يتمثل في أولئك الأدعياء الذين يتباكون على الديمقراطية وحرية الرأي والتعبير، فيما هم الذين يعملون على نخرها وضرب مقوماتها وبنيتها الثقافية والفكرية عن طريق ممارساتهم الهدامة وطبيعتهم الاستبدادية وثقافتهم الماضوية ومفاهيمهم التي ما زالت تنتمي إلى زمن الشمولية وعصر الحرب الباردة. ونعتقد أنه قد آن الأوان لكي يستشعر الصحفيون والإعلاميون أنهم إذا ما أرادوا تنزيه أقلامهم ونتاج أفكارهم من الاستغلال الحزبي والفساد السياسي فإن ذلك يقتضي منهم إعادة ترتيب أولوياتهم بصورة تحول دون وقوعهم تحت تأثير العبودية الحزبية والإدراك أيضاً أن الصحافة التي ينشدها المجتمع هي تلك التي تزاول وظائفها المتعددة كسلطة رابعة انطلاقاً من تصديها لأية انتهاكات للثوابت الوطنية وقواعد السلم الاجتماعي، والاستيعاب أن الصحافة المطلوبة التي يحترمها القراء هي الصحافة المتزنة التي تحرص على مصداقيتها وتمارس النقد البناء بغية كشف الخلل من أجل إصلاحه وتعزيز الصواب بهدف ترسيخه وتعميقه، أما غير ذلك من صحافة الإثارة والزيف فلا أمل لها بالبقاء والعيش فما بني على باطل فهو باطل. وفي واقع الأمر فليس من مصلحة الإعلاميين والصحفيين إخضاع مهنتهم لرغبات بعض القوى السياسية والحزبية التي لا تستند في توجهاتها إلى ثقافة وطنية أصيلة ونسيج فكري حقيقي. وقد برهنت الكثير من الشواهد أن مثل هؤلاء السياسيين والحزبيين لا خير فيهم لا لأنفسهم ولا لمجتمعهم، ولأنهم كذلك فإنهم الذين يكرسون جهودهم في الاتجاه الخاطئ فما يهمهم هو تأمين مصالحهم الذاتية والأنانية حتى وإن كان ذلك على حساب الوطن الذي وصل حقدهم عليه إلى درجة صاروا يتحينون فيه اللحظة التي تمكنهم من إعاقة مسيرته التنموية والديمقراطية، ودفعه إلى المصير المجهول دون إدراك منهم أن هذا الوطن مصان بعزيمة وإرادة أبنائه وعناية الله وأن ما يحلمون به هو أبعد لهم من عين الشمس.