تميز شهر رمضان المبارك على سائر شهور العام بكونه الشهر الذي أنزل الله فيه القرآن الكريم وجعل فيه ليلة القدر التي هي خير من ألف شهر، وهو الشهر الذي تسمو فيه النفوس وتعلو فوق الصغائر والأحقاد والضغائن.. ورغم ذلك فإن كل هذه السمات العظيمة التي خصها الله بهذا الشهر الكريم لم يفقه لها البعض أو لم يقترب من مدلولاتها للتخلص من تلك السلوكيات التي اقترنت ببعض العادات الخاطئة والتي لا تتفق وقيم فريضة الصيام وروحانية شهر رمضان المبارك. ومن ذلك الطابع الاستهلاكي الذي يطغى عليه الإسراف والإنفاق غير المدروس.. وليس هذا وحسب بل ان هناك مع الأسف من يجعل من شهر رمضان شهراً للتكاسل والتملص من أداء واجباته والمهام الموكلة إليه بحجة الصيام مع أن الحقيقة أن رمضان ليس موسماً للخمول والتقاعس والتعالي والتهرب من المسؤولية بل هو شهر العمل والعبادة وجهاد النفس وشهر العطاء والتكافل والتراحم والعطف على الفقراء واقتسام الفرحة معهم. ونعتقد أن الأحرى بنا ونحن في أول أيام شهر رمضان أن نستوعب المعاني الأصيلة لفريضة الصيام والتي لا يمكن أن تكتمل منظومتها إلا من خلال إعادة النظر في تلك الأنماط من العادات الاستهلاكية الخاطئة التي يبرز فيها أشد أنواع التناقض من خلال إسراف الميسورين ومعاناة غير القادرين من ذوي الدخول المحدودة، فهل فكرنا - كما أشار إلى ذلك فخامة الرئيس علي عبدالله صالح في كلمته مساء أمس بمناسبة حلول شهر رمضان - بما يترتب على ذلك التناقض الصارخ من أضرار على السلم الاجتماعي وما ينجم عنه من تأثيرات سلبية وهدر غير مبرر. وهل سألنا أنفسنا لماذا ترتفع معدلات الاستهلاك في شهر الصوم لتفوق قائمة أي شهر من شهور العام مع أن المفترض أن يحصل العكس تماماً؟!. وبالقدر الذي ينبغي فيه على كل منا أن يحرص على جعل شهر رمضان محطة للمراجعة ومحاسبة النفس ولما من شأنه إصلاح أي اعوجاج أو انحراف، فإن الواجب أيضاً أن نسارع جميعاً إلى استغلال نفحات هذا الشهر الكريم فيما يعزز جسور التواصل والمحبة والمودة وتكريس روح الشراكة الوطنية البناءة من أجل النهوض بالوطن ومسيرته التنموية وذلك بدءاً بالإدراك الواعي والعميق من أن الديمقراطية والتعددية الحزبية لا تعني بأي حال من الأحوال الخصومة والافتراق وإنما هي وسيلة للتنافس الشريف في البرامج والآليات وصولاً إلى الأفضل كما أن الاختلاف والتباين في إطار الديمقراطية هو مسألة طبيعية ولا يصح أن يفسد الود بين مكونات العملية السياسية والحزبية ما دامت أبواب الحوار مفتوحة على مصراعيها أمام هذه المكونات للقاء والحوار والنقاش تحت مظلة الثوابت الوطنية التي تعد مرجعية الجميع. ولكي تبرهن قيادات الأحزاب والتنظيمات السياسية أنها أهل للثقة التي أولتها إياها قواعدها فإن الجدير بها استلهام دلالات فن الاختلاف بعيداً عن الضجيج والانفعالات الخرقاء والمناكفة السياسية والفجور الحزبي الذي يوسع الهوة ويثير البغضاء والكراهية بين أبناء الوطن الواحد، وبالتالي فما أحوجنا إلى أن نجعل من رمضان محطة تعبدية لإصلاح النفوس وتصويب الاعوجاجات والتحرر من النوازع الذاتية التي يغيب فيها العقل ويحل بديلاً عنه "الأنا" القاتلة التي تقود صاحبها إلى الجنون ليصبح عدواً لنفسه ووطنه ومجتمعه وأمته.. ثمة كثيرون ينتظرون من قيادات الأحزاب والتنظيمات السياسية في الساحة الوطنية أن تستفيد من شهر الصيام وروحانيته لبدء مرحلة جديدة يتكاتف فيها الجميع من أجل بناء اليمن الجديد والناهض وصنع المستقبل الأفضل والأرغد .. ورمضان كريم وكل عام والجميع بخير..