يحتفل شعبنا اليمني اليوم بالعيد الخامس والأربعين لثورة الرابع عشر من أكتوبر وقد عادت إلى المسار الإنمائي المعبر عن مضمونها الوطني والغاية الحضارية من قيامها. وكان أيضا ان استعادت ملامحها الوحدوية التي يرتسم في إطارها طابعها التحرري وهويتها الوطنية المعبرة عن انتمائها اليمني. وهي الثورة التي تتلقى الدعم التاريخي من قبل قيادتنا السياسية بزعامة الأخ الرئيس علي عبدالله صالح، رئىس الجمهورية على صعيد تعويض ما فاتها من تطور تنموي وعلى مستوى الحفاظ على جوهرها النضالي وحقيقتها التحررية. ونوع آخر ومطلوب من معارك الدفاع عن الثورة اليمنية هو ما يتم عبر التوجه الذي يقوده الأخ الرئىس علي عبدالله صالح لكتابة تاريخها على حقيقته وحمايتها من محاولات التشويه وأغراض الدعاوى التي تحيطها بنوايا التجيير والاستحواذ الأناني لوقائعها النضالية وتفريغها من مضمونها الشعبي وجوهرها الوحدوي. ولا بد من إنجاز هذه المهمة التاريخية باعتبارها واحدة من جبهات التصدي لمؤامرات النيل من ثورة الشعب اليمني والحيلولة دون تواصلها بالأجيال المتعاقبة عن طريق التقليل من شأنها والنفاذ إليها من خلال الاستغلال سيئ السمعة للصراعات التي رافقت مراحلها اللاحقة والعمل عن سابق إصرار وترصد لإلصاقها بها مع علم من يحاول ذلك بأنه عار عن الصحة تماماً وأن للأمر أسبابه الأخرى وبصمات أعداء الثورة واضحة على عملياتها. ولذلك تظل ثورة الرابع عشر من أكتوبر واحدة من مفاخر الإنجازات التاريخية اليمنية في النصف الثاني من القرن العشرين بعد قرون طويلة من السبات بل الموات التاريخي الذي سيطر فيه الفكر المتخلف وحكمه الكهنوتي على مقادير الحياة، ومهما يكن من أمر الخلافات والصراعات التي تخللت العمل الفدائي وألقت بظلالها على المسارات اللاحقة لنيل الاستقلال فإنه الذي لا ينتقص من الطابع العام للثورة ولا يطغى ويلغي الاعتبارات التي تضعها في إطار الحق الشعبي في المقام الأول. وكان أن تكاملت ثورتا سبتمبر وأكتوبر في تقديم اليمن للخارج في صورة الوطن الحيوي والشعب الحي المرتبط بقضايا العصر والمتشبع بروح التطلع الحضاري للحاق بتطوراته وتأكيد وجوده الإيجابي في إطاره. وكان أن أنجزت الثورتان أيضا مهمة إثبات الاقتدار الوطني على تحدي وهزيمة سياسات العزلة عن الخارج ونهج بث الفرقة والتشظي الانشطاري في الداخل وخاضتا عملية كفاحية اتسمت بواحدية النضال الوطني ضد الاستبداد والجور الامامي والاستعماري معاً. وكما شكلت ثورة سبتمبر قاعدة الانطلاقة التحررية للشطر الجنوبي مثلت ثورة أكتوبر المدد الداعم لملحمة الدفاع والانتصار للثورة الأم ونظامها الجمهوري. ولقد ظلت هذه الروح الوحدوية محافظة على عنفوانها وحضورها الذهني والوجداني على الرغم من تقلبات الظروف المحلية واستمرار المؤثرات الدولية في القاء انعكاساتها السالبة على تطورات الأوضاع ومجرياتها التي اعقبت الانتصار والاستقلال. وتلك هي الروح التي أفضت بالمسيرة الثورية إلى الإنجاز الوحدوي التاريخي في الثاني والعشرين من مايو 1990م والتي قدمت الدليل النهائي على الواحدية النضالية والمصيرية إلى جانب ما مثلته من تتويج عظيم للتجسيدات الواقعية لأهداف الثورة اليمنية. وهذه هي الحقيقة الأزلية التي ينبغي للرجعيين الجدد إدراكها والتوقف عن تكرار العمل على إثارة معارك خاسرة للعودة بعقارب الزمن إلى الوراء خاصة وان المحاولات جرت من قبلهم ولم يمض على آخرها أكثر من بضعة أشهر وآلت جميعها إلى الفشل والسقوط. ولا يكرر المحاولة سوى من به مس وانقطعت كل صلة له بسنة الله في الخلق واختار العيش والبقاء خارج التاريخ ان لم يكن في مزبلته. ومن ضمن ما ينبغي على هؤلاء استيعابه ان الشرعية الديمقراطية فتحت اليوم أمام الوطن اليمني آفاق المستقبل الأفضل كما وضعت الشرعية الثورية الخاتمة لعهود الظلم والظلام. ولديمقراطيتنا شأنها العظيم في الانتقال الحضاري بالجميع إلى مجال الشراكة الوطنية في تحمل المسؤولية التنموية تجاه الشعب والوطن ودون تمييز يسوغ لممارسة الاستبعاد والإقصاء من أي كان للآخر. وصار اليمن بالفعل وطنا يتسع لجميع أبنائه ويمضي بخطى واثقة نحو استكمال أركان بنائه الجديد لمجتمع الحقوق والحريات الإنسانية الكاملة. ومن يقف في وجه ذلك عدو لنفسه هذه المرة وقد عُرف في السابق بعدائه الدفين لتقدم وازدهار الوطن اليمني.