ما شهدته الولاياتالمتحدة انقلاب بكل معنى الكلمة.. انقلاب بالمعنى الايجابي للكلمة، اننا امام امريكا جديدة على الصعيد الداخلي اولا، امريكا التي تسعى الى التصالح مع امريكا، ويبدو ان ما حصل كان مصالحة بالفعل في حال اخذنا في الاعتبار ان اوباما الذين كان كثيرون يعتقدون انه لن يصل الى البيت الابيض نظراً الى انه اسود و الى ان اسم والده هو حسين، حظي بدعم امريكيين من كل الفئات الاجتماعية. جاء انتصار باراك حسين اوباما بمثابة رفض لكل ما مثله جورج بوش الابن في السنوات الثمان الماضية والذي اوصل القوة العظمى الوحيدة في العالم الى ما وصلت اليه، ما وصلت اليه اميركا بوش الابن كان ازمة اقتصادية طاولت كل بيت. ولان امريكا هي امريكا، ما لبثت الازمة الاقتصادية العميقة التي ضربتها ان انعكست على العالم، خصوصا اوروبا.. ادت الازمة بين ما ادت اليه الى هبوط كبير في اسعار النفط ستكون له من دون شك آثاره على غير دولة، خصوصا ايرانوروسيا وفنزويلا... في حال كان مطلوبا القيام بتحليل بارد للتطورات التي شهدتها الولاياتالمتحدة والتي توجت بالفوز الكاسح لباراك اوباما على جون ماكين، فإن اول ما يمكن قوله: ان امريكا تخرج من ازمتها الاقتصادية بصعوبة وبطء، وستكون، على الارجح، قادرة في الاشهر القليلة المقبلة على الانصراف شيئا فشيئاً الى معالجة النتائج المترتبة على السياسات الخاطئة لادارة بوش الابن، خصوصا في العراق، ولا شك ان اسعار النفط ستساعدها في القيام بالمعالجة اللازمة نظرا لما للهبوط من انعكاسات ايجابية على الصعيد الداخلي. بمجرد هبوط اسعار النفط، استعادت السياسة الامريكية قدرتها على المبادرة وعلى الدخول في مفاوضات مع دولة مثل روسيا او ايران من موقع مختلف. انه موقع القادر على الضغط بوسائل غير عسكرية قد تكون انجح من منطق القوة الذي لجأ اليه بوش الابن وكانت نتيجته ان قاد منطقة من مناطق العالم الى المجهول. كيف سيتعاطى اوباما مع العالم؟ على الصعيد العملي، سيكون هناك سعي كبير الى التغيير يرافقه بعض الخوف. لن تكون مواجهة مباشرة، اقله في المدى المنظور مع ايران مثلا. سيكون هناك حوار معها. يقول احد مستشاري المرشح الفائز: ما دمنا نحاور كوريا الشمالية في شأن برنامجها النووي، لماذا لا نحاور ايران؟ الثابت ان ادارة اوباما ستكون قادرة على الدخول في مثل هذا الحوار مع ايران ولكن من منطلق ان حصول «الجمهورية الاسلامية» على السلاح النووي امر «غير مقبول» على حد تعبير مستشار اوباما نفسه وهو من اولئك الذين سيكون لهم موقع مهم في الادارة الجديدة. ويضيف الرجل ان الولاياتالمتحدة «ستستخدم كل الوسائل» لمنع ايران من امتلاك السلاح النووي. ما يبعث في المقابل على الخوف من ادارة اوباما ان نائب الرئيس جو بايدن، الذي سيكون له دور كبير على صعيد رسم السياسة الخارجية، كان دعا في توصية الى الكونغرس، الى تقسيم العراق معتبرا ان هذا التقسيم الذي يفضي الى ثلاثة اقاليم في البلد سيريح الامريكيين ويسهل خروجهم منه باقل مقدار من الخسائر. ما لا يمكن تجاهله ان ايران نفسها ليست بعيدة عن فكرة تقسيم العراق، هناك تساؤلات حقيقية في ما يخص السياسة التي سيتبعها اوباما في العراق نفسه. الثابت انه يريد الخروج منه عسكريا في اسرع ما يمكن ولكن ليس باي ثمن كان، وسيسعى في المقابل الى التركيز على الوضع في كل من افغانستانوباكستان. هناك شعور يتنامى في واشنطن بان الحرب على الارهاب لا يمكن ان تستمر و ان تحقق نجاحا ما دام الوضع في كل من افغانستانوباكستان على حاله. اكثر من ذلك، هناك قناعة لدى غير مستشار لاوباما بان باكستان هي القاعدة الخلفية ل»القاعدة» و ان باكستان في اساس المشكلة في افغانستان. بعد اسابيع قليلة، سيترتب على اوباما القيام بخياراته. شعارات الحملة الانتخابية شيء والواقع شيء آخر. سيكتشف كم ان المشاكل التي تركها له جورج بوش الابن كبيرة، اكان ذاك على الصعيد الاقتصادي او على صعيد السياسة الخارجية، اي في العراق و ايران و افغانستانوباكستان والشرق الاوسط عموما وفي شان كل ما له علاقة بالحرب على الارهاب. كل ما يمكن قوله ان الرئيس الامريكي الجديد عرف كيف يتصرف، اقله الى الآن، وعرف خصوصا كيف يستعين بأفضل المستشارين وكيف يظهر، على العكس من بوش الابن، في مظهر من يسعى الى الحوار بديلا من المواجهة والقرارات المتسرعة. هل يساعده ذلك في احداث التغيير المطلوب الذي وعد به الاميركيين؟ الاكيد ان الهبوط في اسعار النفط الذي طر ا في الوقت الذي كان فيه بوش الابن يودع البيت الابيض سيساعده في مهمته. في النهاية، تبين ان الولاياتالمتحدة باقتصادها الضخم تتحكم بالاقتصاد العالمي و ان ما يصيبها يترك ندوبا في العالم كله. باتت العولمة حقيقة. ربما لهذا السبب وقف العالم في اكثريته مع اوباما ينشد التغيير في الولاياتالمتحدة. ربما هذه المرة الاولى في التاريخ الذي تثير فيه انتخابات الرئاسة الاميركية كل هذا الاهتمام العالمي. بدا كل فرد على الكرة الارضية وكأنه يريد المشاركة في الانتخابات والادلاء بصوته فيها وذلك كي يقنع نفسه بانه شريك في الانقلاب الذي حصل داخل القوة العظمى الوحيدة في العالم. انه انقلاب يفيد الولاياتالمتحدة اولا و اخيرا!