في واشنطن الغارقة في أزمة اقتصادية لا سابق لها في تاريخ الولاياتالمتحدة باستثناء انهيار العام 1929من القرن الماضي، لا حديث هذه الأيام سوى عن السوق المالية وأوضاع المصارف والديون المترتبة عليها أو تلك المستحقة لها والتي لن تتمكن من تحصيلها! ستترك الأزمة الاقتصادية بصماتها على عهد الرئيس بوش الابن الذي انتهى قبل أن ينتهي. ستطغي الأزمة التي لا يستبعد كثيرون، بما في ذلك كبار الخبراء الاقتصاديين، تفاقمها في الأسابيع القليلة المقبلة على الفشل الذي لحق بالادارة على كل الصعد وفي أنحاء مختلفة من العالم، فشلت ادارة بوش الابن في حربها على الإرهاب وفشلت في العراق وفشلت في أفغانستان وفشلت في الشرق الأوسط عموما، لم يجد عضو في الوفد الفلسطيني، كان يرافق رئيس السلطة الوطنية السيد محمود عبّاس (أبو مازن)، ما يقوله بعد لقاء الرئيس الفلسطيني ببوش الابن في البيت الأبيض سوى أن الرئيس الأميركي "لطيف"، استخدم عضو الوفد تلك الكلمة في محاولة منه لاخفاء خيبة الأمل من بوش الابن الذي وعد بالكثير ولم يفعل شيئا باستثناء استفاقته المتأخرة على أهمية القضية الفلسطينية وضرورة حلها في السنة الأخيرة من عهده، بدا كأنه يفعل ذلك من باب رفع العتب لا أكثر! بعيداً عن الأزمة الاقتصادية التي قد تنجح الخطة الإنقاذية المُكلفة للإدارة في الحد منها كما قد تزيدها عمقاً، هناك نقاش جدي من نوع آخر في المعاهد والمؤسسات المختصة في واشنطن، يركز النقاش على السياسة الخارجية للإدارة الجديدة بغض النظر عما إذا كان الديموقراطي باراك أوباما سينتصر على الجمهوري جون ماكين أو أن عكس ذلك سيحصل، محور النقاش سؤالان مطروحان بالحاح شديد يتعلق الأول بباكستان ومستقبلها والآخر بالملف النووي الأيراني، يأخذ الديموقراطيون على الجمهوريين، وعلى إدارة بوش الابن تحديدا، الانتقال الى شن حرب على العراق قبل طي ملف أفغانستان نهائياً وقبل التأكد من أن باكستان لم تعد قاعدة خلفية ل"القاعدة" ولنظام "طالبان" الذي أرادت واشنطن الأنتهاء منه في أسرع ما يمكن، لايوجد خلاف جذري بين الحزبين الكبيرين على أن باكستان صارت مشكلة وأن لا مفر من التعاطي معها بشكل جذري، خصوصاً في ضوء تفجير فندق "ماريوت" في اسلام أباد يوم الواحد والعشرين من سبتمبر المنصرم. كان تفجير الفندق، الذي أدى الى سقوط ستين قتيلا ونحو مائتي جريح، بواسطة شاحنة مفخخة بطنٍ من المتفجرات تأكيداً آخر لمدى قدرة "القاعدة" على التحرك بحرية في الأراضي الباكستانية من جهة والتواطؤ القائم بينها وبين الأجهزة الأمنية الباكستانية من جهة أخرى، لقد تحولت باكستان، الدولة النووية، المخترقة من "القاعدة" ومن "طالبان" الى كابوس أميركي بكل معنى الكلمة وباتت هناك قناعة لدى الأميركيين، أكانوا مؤيدين لأوباما أو لماكين، بأن لا سبيل لمتابعة الحرب على "طالبان" في أفغانستان من دون تغيير جذري في باكستان، هذا التغيير يبدو مستحيلاً، أقله في المدى المنظور، وهو يعكس الى حد كبير المأزق الذي وجدت الولاياتالمتحدة نفسها فيه منذ شنّت ما تسميه الحرب على الإرهاب في أعقاب أحداث الحادي عشر من سبتمبر من العام 2001. لم يعد هناك خلاف داخلي أميركي في شأن باكستان ومدى خطورة الوضع فيها، لا يدل على مدى خطورة هذا الوضع أكثر من كلام الجنرال ديفيد بتريوس قائد القيادة المركزية الأميركية الذي تحدث أخيراً عن أن "باكستان تواجه خطراً يهدد وجودها بالذات"، الأكيد أن الجنرال بتريوس الذي حقق إنجازاً كبيراً في العراق، قبل انتقاله الى موقعه الجديد، يدرك تماماً مثله مثل أي مسؤول أو باحث أو خبير أميركي في شؤون المنطقة أن الجيش الأميركي مضطر الى خوض حربين في وقت واحد ما دام ليس في وارد الانسحاب من العراق قريبا وما دامت "طالبان" تصعد عسكرياً في أفغانستان بعدما صارت باكستان قاعدة خلفية لها ول«القاعدة»، هناك حرب في أفغانستان يخشى أمتدادها الى الأراضي الباكستانية. وهناك حرب أخرى في العراق معروف كيف بدأت وليس معروفاً كيف ستنتهي أو متى ستنتهي. هل يمتلك الجيش الأميركي القدرة على حرب ثالثة في حال اصرار ايران على برنامجها النووي؟ هل يمكن التعاطي مع باكستانوايران في الوقت ذاته؟ من الواضح أن الإدارة الأميركية الجديدة في وضع لا تحسد عليه، عليها أن تجد مكاناً للسياسة الخارجية ولمعالجة الوضع الباكستاني الضاغط الذي هو أقرب الى قنبلة موقوتة أكثر من أي شيء آخر في وقت تبدو ايران مصرة على متابعة برنامجها النووي الذي لا يستطيع المجتمع الدولي التعايش معه لأسباب عدة من بينها أن ايران النووية قوة ستهيمن على النفط الذي يظل، الى إشعار آخر، عصب الحياة للعالم الصناعي، سيتوجب على أية ادارة جديدة في واشنطن أن تجد طريقة للتصدي للملفين الخارجيين الشائكين في وقت لا يهم المواطن الأميركي العادي سوى الاقتصاد وكيفية الاحتفاظ بمنزله أو شقته وحتى بوظيفته، كم هي ثقيلة تركة بوش الابن، أراد نشر الديموقراطية في العالم وفي الشرق الأوسط تحديدا، وأراد القضاء على الإرهاب بكل أشكاله، كانت النتيجة أن الإرهاب يتقدم كل يوم فيما الديموقراطية تتراجع في كل أنحاء المنطقة، سيعود جورج بوش الابن الى منزله قريباً وسيدخل البيت الأبيض رئيس جديد يعرف أن ملف الأزمة الأقتصادية لن يعفيه من ضرورة الذهاب الى أفغانستان أو ايران، هل باكستان أولاً أم ايران قبلها. خياران أحلاهما مرّ!