تشير الاستطلاعات الأخيرة للرأي العام الاميركي الى أن باراك أوباما سيكون الرئيس المقبل للولايات المتحدة القوة العظمى الوحيدة في العالم. بالطبع يمكن أن تحصل مفاجأة اللحظة الأخيرة ويفوز جون ماكين. ولكن، من كان يصدق أن مواطناً أسود يمكن أن يصبح يوماً رئيساً للقوة العظمى المتهمة بأنها وراء كل الأعمال المشينة على الكرة الأرضية؟ من كان يصدق حتى أن مواطناً أسود يمكن أن يصل يوماً الى موقع مرشح الحزب الديمقراطي للرئاسة في بلد كان التمييز العنصري، -بسبب اللون- معمولاً به حتى الستينات ومطلع السبعينات من القرن الماضي في ولايات معيّنة؟ مهما يكن الرأي في الولاياتالمتحدة، لا شك أنها ديمقراطية حقيقية، أقله بالنسبة ألى مواطنيها الذين يمكنهم ايصال رجل أسود الى البيت الأبيض، أي الى موقع رئيس القوة العظمى الوحيدة في العالم. لا تزال أميركا القوة العظمى على كوكبنا الوحيدة بدليل أن الأزمة الاقتصادية العميقة التي تعاني منها، والتي قد تكون الأخطر في تاريخها بل أخطر من أزمة العام 1929 من القرن الماضي، أثرت على العالم كله. كانت للأزمة تداعياتها على أوروبا والصين واليابان والهند وروسيا ودول جنوب شرق آسيا خصوصاً وعلى كل دولة من دول العالم، بما في ذلك دول منطقة الخليج الغنية التي كانت تعتبر نفسها، بفضل ارتفاع أسعار النفط، في مأمن عن أي هزة اقتصادية عالمية. أدت الهزة الاقتصادية الى هبوط أسعار النفط... وباتت دولة مثل سويسرا في حاجة الى دعم مصارفها للحؤول دون انهيارها! في الحرب والسلم، في الاقتصاد والسياسة، ليس في الامكان تجاوز الولاياتالمتحدة. ولذلك، يبدو مفيداً أكثر من أي وقت محاولة معرفة كيف يفكر أوباما في حال وصوله الى الرئاسة وما هي السياسات التي سيتبعها، خصوصاً بالنسبة الى الشرق الأوسط. هل صحيح أن أوباما معاد لاسرائيل وأن هناك خوفاً حقيقياً لدى اليهود الأميركيين من ذهابه بعيداً في فرض تسوية على الدولة العبرية؟ في كل الأحوال، من الثابت، أن أوباما الذي زار اسرائيل والأراضي الفلسطينية الصيف الماضي، كان في غاية الصراحة والوضوح. قال لرئيس السلطة الوطنية السيد محمود عباس عندما ألتقاه في رام الله أنه سيسعى منذ اليوم الأول لدخوله البيت الأبيض الى ايجاد تسوية. كان يلمح الى أنه لن يفعل كما فعل بوش الابن الذي انتظر السنة الأخيرة من ولايته الثانية كي يؤكد أنه يعمل فعلاً من أجل ايجاد تسوية تستند الى قيام دولتين على أرض فلسطين التاريخية. الواضح أن جهود بوش الابن لن تثمر. لن تقوم دولة فلسطينية قبل انتهاء السنة 2008 ألا في حال حصول معجزة. وهذه الأيام ليست أيام المعجزات للأسف الشديد، خصوصاً في غياب حكومة اسرائيلية، أو على الأصح زعامة اسرائيلية، قادرة على اتخاذ قرارات حاسمة. من المهم معرفة موقف أوباما من القضية الفلسطينية، علماً بأنه سعى الى استرضاء اللوبي الاسرائيلي في الأسابيع القليلة الماضية عن طريق تأكيد التزامه موقف المتطرفين من القدس ومن كل المسائل العالقة. لكن يبقى أنه سبق لأوباما أن قال: إنه لا شعب في العالم يتعذب كما الشعب الفلسطيني. وأثار ذلك حفيظة اليهود الاميركيين وكل من يدعم الاحتلال. هل يتمسك الرجل بمواقفه المبدئية القديمة أم يرضخ للمجموعة التي انضمت اليه حديثاً وواكبت حملته في مراحلها الأخيرة؟ الأرجح أن أوباما سيسعى الى موقف وسط لا يغضب الاسرائيليين، لكنه لا يمنعه من الاتجاه نحو تحقيق تسوية تستند الى اقامة دولة فلسطينية مستقلة في أسرع ما يمكن، حتى لو اقتصر ذلك على الضفة الغربيةوالقدس الشرقية استناداً الى مفهوم جديد يقسمها بما يأخذ في الاعتبار المقدسات الاسلامية والمسيحية واليهودية. ليس مستبعداً اتخاذ أوباما موقفاً معقولاً من التسوية، على الرغم من الوضع الداخلي الفلسطيني المخيف والشرخ الكبير بين الضفة وغزة. سيتابع الرئيس الاميركي الأسود، في حال وصوله الى البيت الأبيض سياسة بيل كلينتون الذي سعى بالفعل الى التوفيق بين الفلسطينيين والاسرائيليين. لكن المكان الذي سيختلف فيه أوباما جذرياً عن بوش الابن أو عن جون ماكين الذي ينافسه على الرئاسة هو باكستانوأفغانستان. ثمة ميل جامح لدى مستشاري أوباما الى التركيز على كيفية القضاء على «القاعدة» انطلاقا من أفغانستانوباكستان. من يتحدث الى مستشاري أوباما يكتشف أن مأخذهم الأساسي على بوش الابن يعود الى الانتقال من أفغانستان الى العراق قبل الانتهاء من «القاعدة». يقول أحد هؤلاء: «ضربنا القاعدة في أفغانستان، لكننا لم نضرب قيادة القاعدة. ضرب قيادة القاعدة يحتاج الى إعادة التركيز على أفغانستانوباكستان التي صارت قنبلة موقوتة والقاعدة الخلفية للقاعدة». ماذا ستفعل الادارة الأميركية الجديدة لاصلاح ما تعتبره «الخطأ الرئيسي لادارة بوش الابن» الذي حال دون القضاء على «القاعدة»؟ الأكيد أن استراتيجيتها تقوم على تحييد ايران عن طريق التفاوض معها في شأن برنامجها النووي بدل استعجال المواجهة بناء على رغبة إسرائيلية. لا شك انه ليس في بالامكان الانصراف الى باكستانوأفغانستان من دون التعاطي الهادئ مع ايران. هل في استطاعة أوباما القيام بذلك؟ انه التحدي الأكبر الذي ستواجهه الادارة في حال وصول المرشح الديموقراطي الى البيت الأبيض؟ كيف التعاطي مع مشكلة «القاعدة» في باكستانوأفغانستان والدخول في الوقت ذاته في حوار مباشر أو غير مباشر مع ايران... من دون اثارة اسرائيل؟