تشهد مواقف قيادات المشترك المتمسكة برفض كل مبادرة ومشروع للحوار والإصرار على نقض التفاهمات والتنصل من الاتفاقات أنها قررت التفرغ لعملية تأزيم الأوضاع. ومثل هذا التفرغ ليس دليل عافية لا من زاوية الوجهة السياسية للمعارضة ولا من حيث التوجه الوطني إزاء الديمقراطية والعلة بذلك مزدوجة إذ تشير إلى وجود حالة من عدم الفهم لمسألة المعارضة نفسها مصحوبة بصعوبة في الرؤية إلى أسس ومستلزمات البناء الديمقراطي كمنظومة شاملة للمجتمع اليمني. وتلعب الثقافة الشمولية التي ترتب عليها هذه التوعية في المعارضة دورها السالب لإرادة التطبع مع تقاليد ومبادئ العمل الديمقراطي ونرى من جرائه وضع الحصار المفروض على الخيارات والتوجهات وحصرها في الشأن السلطوي. وخارج نطاق الاهتمام والعناية تقبع المتطلبات والضرورات الأخرى المتصلة بالتقدم الاقتصادي والاجتماعي العام والرقي الديمقراطي ولا ترى هذه المعارضة لنفسها دوراً وطنياً يمكن أن تلعبه وإنجازاً تاريخياً تحققه من خارج السلطة. ولذلك يظل النقد البناء للسلبيات وتقديم البدائل لما هو مطروح ومعمول به بعيداً عن مركز الوعي القابل والقادر على إنتاج النوعية الإيجابية للتفاعلات وردود الأفعال تجاه ما تعتمل بها الساحة الوطنية من أحداث وتطورات. وتعمى الأبصار السياسية في ظل الانغلاق المفاهيمي والسلوكي عن رؤية نقطة الالتقاء والاتصال للعملية الديمقراطية بالإرادة الشعبية. وعادة أو دائماً ما تكون جماهير الناخبين غائبة عن النظرة وغير واردة في الاعتبار والحسبان عند من يجعل من عرقلة وترحيل موعد الاستحقاق الديمقراطي في إطار من الممارسات الشوهاء والجائرة ولا تمت بصلة لغير مصادرة أو تأميم حق الشعب في التمتع بإرادته الحرة وحقه في تحديد خياراته. وإذا كان التنكر والتنصل من نصيب التوافقات التي يتم التوصل إليها في ظل الالتزام بالسير نحو الانتخابات فإن الانقلاب على الديمقراطية هو المصير المؤكد والمحتوم حدوثه في حال الاستجابة لمطالب تأجيل الانتخابات. وتلك هي الاستجابة المستحيلة بحكم الدستور والقانون وفيها من الاعتداء على الاستحقاق الجماهيري الذي يضع الجميع تحت طائلة المساءلة. وذات الأمر أو الحكم ينطبق على كل من يعمل على اجتزاء العملية الديمقراطية وفرض الإقامة الجبرية عليها داخل أسوار الشأن الثنائي المختص بالسلطة والمعارضة وحدها. ولن ينجم عن التمترس في خنادق التعامل الذاتي مع القضية الانتخابية سوى سد كل أفق أمام إمكانية حلحلة المواقف والتقدم بها إلى نقطة الحل. والتصعيد وزيادة درجة التأزم هي المحصلة الوحيدة لكل نهج يناضل أتباعه من خلال الإبقاء على الديمقراطية موضوعاً أو قضية للتنازع بين السلطة وأطراف في المعارضة. وليت هذه الأطراف توجه جزءاً بسيطاً من الجهد المهول الذي تسخره لمناكفة السلطة والكيد بها في اتجاه الإسهام في تجاوز انعكاسات وآثار الأزمات الاقتصادية العالمية والكوارث الطبيعية. وشيء من الإصرار على عدم الاستفادة من التجارب واستلهام دروسها ومقاومة دواعي وضرورات تقييم وتقديم الممارسات والمواقف نلمسه فيمن يعمد إلى تكرار سلوكيات سبق وأن ثبت عدم جدواها. والبقاء خارج نطاق الجدوى الحزبية والوطنية هو مآل من يرفض التأقلم مع المبادئ الديمقراطية والتطبع بتقاليدها وأخلاقياتها المتحضرة.