أكبر ديمقراطية في العالم لأن سبعمائة مليون نسمة يحق لهم الإدلاء بأصواتهم، وعدة مئات سيمثلون دوائرهم في البرلمان بعد الانتهاء من عملية إحصاء الأصوات التي تستغرق شهراً، وخلال الفترة التي تنتهي في منتصف شهر مايو سنقرأ عن عشرات الحوادث الإرهابية بالرصاص والقنابل من قبل ما يسمون بالمليشيات الماوية التي لا يعلم إلا قادتهم المنتفعين بالثورة الفوضوية ماذا يريدون. هل يريدون ديمقراطية وهم في وسطها يتمتعون بحريات أفضل من معظم بلاد العالم الثالث وإلى حد كبير من بعض البلاد المتقدمة الغربية من شمال كندا إلى جنوباليابان واسترالياً؟ يطالب قادتهم منذ عشرات السنين بالمساواة وهم يعلمون أن القانون رغم كافة نقائصه يعامل الأباطرة والمنبوذين سواسية في معظم الأحيان، والدليل على ذلك أن كل المرشحين للبرلمان في العاصمة يخطبون ود الطبقات الأفقر في كافة الأديان- – المسلمون والهندوك والسيخ والمسيحيين والملل الأخرى- وهناك مظالم حقيقية يرتكبها الأثرياء وباشوات الهند من المنتمين للطبقات العليا الذين لم يقتنعوا بعد بخسران امتيازاتهم السابقة التي سادت شبه القارة خلال الاستعمار البريطاني وبعده، حتى باكستان التي قامت عام 1947 على أسس إسلامية بعد انفصالها عن الهند الأم تعاني من الطبقية الشنيعة منذ الاستقلال وإلى اليوم. الصحافة الهندية تتمتع بحرية مشجعة تحت ظل قانون سنه ممثلو الشعب بعد انتخابات عامة ووضعوا دستوراً جديداً عام 1947 عند الاستقلال. تصور أن رئيس لجنة صياغة الدستور الدكتور باباساهب امبدكار كان زعيماً للطبقات المنبوذة أو المسحوقة كما كان يسمي الماركسيون الجماهير في بلدانهم في الماضي، ولا يزال الدستور يطبق رغم استمرار كبار الأثرياء ورؤساء العشائر وملاك الأراضي في ممارسة مظالمهم مما أثار عليهم نقمة المنبوذين الذين ينتمي بعضهم إلى الماويين فيلجؤون إلى حمل السلاح لإجبار البطارقة العظام على تصحيح مفاهيمهم، بعض الدول لجأت إلى الثورة لإلغاء الطبقية الباشوية إلى حد ما، لكنها لم تقض عليها نهائياً لأن هناك من احتل محلها وواصل عملية الاستبداد بالغالبية العظمى. المهم في الأمر أن واحدة من أكبر دول العالم بعدد سكان يتجاوز ألف ومائة مليون نسمة لا تزال تمارس الديمقراطية بشفافية معقولة، وترشح بعض منبوذيها – الذين يُسمون الداليت وعددهم أكثر من مائة وخمسين مليوناً – لزعامتهم واحتلال مقاعدهم في المجالس التشريعية والبرلمان المركزي وهو ما أسهم في التخفيف من شراسة الطبقية والاستبداد في وطن يمتد من جبال الهملايا أعلى قمة في العالم إلى حدود سري لانكا التي تصدر أكبر كمية من الشاي وأحجار السفير في الوقت الحاضر. فالهند ليست دويلة في أواسط أفريقيا والشرق الأوسط والبحر الكاريبي، لأن مساحتها مجتمعة تساوي أكبر من ثلاثة ملايين كيلومتر مربع، أو عدة دول أعضاء مجتمعة في الأممالمتحدة، وتعتبر القوة الثالثة اقتصادياً في آسيا وإذا تمكنت من التعامل مع الماوية والمنبوذية ومواصلة مسيرتها نحو الأفضل بدون إرهاب ستكون قريباً من أغنى الدول في العالم أجمع. ومع ذلك فإن سبعمائة مليون نسمة يمارسون حقهم الديمقراطي في التصويت والترشيح وإصدار صحف حرة نسبياً لا تخشى قوة حكومية أو حزبية أو إرهابية ولا تعترف بسلطة القانون الذي وضعه ممثلو الشعب نتيجة لانتخابات حرة، ولو عاش الدكتور امبدكار زعيم المنبوذين حتى اليوم الذي اعتنق البوذية في نهاية عمره احتجاجاً على الطبقية الهندوسية لارتاح بأنه على الأقل حقق بعض المنافع والحريات القانونية للملايين من المسحوقين على كل حال إذا شاهدهم يدخلون البرلمان ويحتلون مقاعد كبار القضاة والسفراء والاستخبارات بالإضافة إلى عدة مهن أخرى كانت قبل القانون محرمة عليهم. كانت تلك بعض جوانب التقدم الذي حققته الهند منذ 1947 إلا أن هناك سلبيات شديدة لا تزال تعصف بها ومظالم خطيرة تُرتكب من قبل الطبقات العليا بمختلف أسمائها والشرطة الفاسدة والقضاء المتحالف مع الساسة الأفسد في تحقيق مصالح كبيرة على حساب الغالبية العظمى، وكأن تلك العناصر تشكل مافيا ضخمة تمسك بخناق الدولة وتفرض نفسها لخدمة مصالحها حتى المستويات العليا في الدولة وإن كانت حالياً أهون في عهد حزب الكونجرس برئاسة السيدة سونيا غاندي ورئيس الوزراء مان موهان سنج. ويمكن تصور التغيير العجيب الذي حدث منذ الاستقلال الذي شمل إضعاف القبلية والطبقات العليا، وفضح الفساد والمفسدين تحت راية الصحافة الحرة التي تحرج القضاء المنحرف في بعض الأحيان والحالات بوجود رئيس حزب حاكم من أصل إيطالي هي السيدة سونيا غاندي – ورئيس وزراء نظيف ينتمي إلى طائفة السيخ الدينية ومن حوله مجموعة محترمة من الوزراء والمستشارين يحترمهم الجميع وتعترف لهم الصحافة بالنزاهة ونظافة اليد منذ توليهم السلطة بعد انتخابات 2004م ولم تشهد ساحات القضاء أو صفحات الجرائد أنباء فضائح خطيرة كما كان يحدث في السابق منذ تولي سونيا وسنج مقاليد الحكم في شبه القارة. وبالرغم من الهجمات الإرهابية ومحاولة العصابات زلزلة الحكومة وتقويض الحكم ظلت الدولة متماسكة وواصل الاقتصاد مسيرته المظفرة حتى في ظل الانكماش العالمي وتناقص مداخيل الصادرات. وتذكرني الهند كثيراً مع الفارق السكاني والمساحة والدخل العام، باليمن الوطن العزيز الذي اعتمد الديمقراطية منذ عشرات السنين حتى وهو يصارع الفقر والتخلف والعصبية ونظام حكم ماركسي شرس صمم على تقويضه عندما كان دولة مستقلة ثم بعد إعلان الوحدة وفي غضون الأعوام الأولى لها، لكن العزيمة اليمنية لصالح الحرية والعدالة في ظل الديمقراطية والزعامة الصالحة الملتزمة بها تمكنت من الانتصار دائماً لأن الشعب أرادها، وحكومته كانت عند حسن الظن بالرغم من كل الصعوبات والتحديات.