من حق أبناء الشعب اليمني أن يبتهجوا ويحتفوا ويقيموا المهرجانات الفرائحية والكرنفالية التي يعبرون فيها عن سعادتهم بالنجاحات والتحولات الكبرى التي شهدها وطنهم في ظل مسيرة العطاء الوحدوي على الصعد التنموية والسياسية والديمقراطية والاقتصادية والاجتماعية. ومن حق هذا الشعب أيضاً أن يفصح بكل الوسائل عن وفائه وصدق إخلاصه وإكباره ومشاعره الجياشة تجاه إنجازه الوحدوي العظيم الذي حققه في الثاني والعشرين من مايو عام 1990م تتويجاً لمسيرة طويلة من النضال والتضحية قدم فيها الغالي والنفيس وصولاً إلى هذا اليوم المجيد الذي أعاد فيه الاعتبار لتاريخه وحضارته وخصوصيته وضميره الوطني وإرادته الحرة. وليس بغريب أن تصبح عبارة "الوحدة" هي من أكثر العبارات استخداماً في ألسن الناس وهم يحتفون بالعيد ال19 لإعادة لحمتهم الوطنية وأن تغدو تلك العبارة على رأس المفردات التي يشعر معها كل يمني بالفخر والاعتزاز وأن تصبح محل عناية في منظومة القيم الوطنية وعلى رأس الثوابت التي تمثل خطوطاً حمراء لا يجوز الاقتراب منها أو محاولة العبث بها أو حتى مجرد التطاول عليها تحت أي مسمى كان. وليس من المبالغة في القول أو المعنى حينما نصف في اليمن وحدتنا الوطنية بأنها قدرنا ومصيرنا لأنها بالفعل كذلك ومن يعود إلى تفاصيل المراحل النضالية التي خاضها الشعب اليمني ضد الحكمين الإمامي الكهنوتي والاستعماري البغيض اللذين عملا على تمزيق اليمن الواحد إلى يمنين وشطرين تكريساً لمبدأ "فرق تسد" سيجد أن الثورة اليمنية السادس والعشرين من سبتمبر والرابع عشر من اكتوبر قد ارتكزت توجهاتها على ثلاثة أهداف رئيسية هي التحرر والاستقلال وإعادة وحدة الوطن. ولا نبتعد عن الحقيقة إذا ما قلنا أن الوحدة اليمنية قد مثلت لنا نحن اليمانيين سفينة النجاة التي وصلنا بها إلى بر الأمان فهي من أخرجت الوطن من دوامة الصراعات ودورات الدم والويلات والكوارث والمآسي التي تجرع مراراتها هذا الشعب أثناء حقبة التشطير حتى جاء يوم الثاني والعشرين من مايو عام 1990م ليعيد الابتسامة إلى شفاه أبناء هذا البلد الذين ظلوا ينشدون الاستقرار والسكينة والسلم الاجتماعي وتحقيق تطلعاتهم في البناء والنماء والرخاء بعيداً عن الاعتراكات والاضطرابات التي لم تكن تجلب لهم إلاّ الويل والدمار، وفي خاصية أخرى يغفلها البعض فإن اليمنيين وبحكم ما يتميزون به من صفات الالتزام الديني والرابطة الشديدة بعقيدتهم الإسلامية فقد ترسخ لديهم الإيمان الوثيق بأن أبلغ معاني الامتثال لتعاليم الدين تتجسد في وحدة أبناء الأمة خاصة وأنهم يقرأون صباحاً ومساءً قول المولى سبحانه وتعالى "واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا" وهو أمر إلهي يعكس تماماً، أن الوحدة من نعم الخالق عز وجل على عباده الصالحين إلى درجة أنه جعل الوحدة شرطاً مهماً لامتلاك صفة القوة والاقتدار وبشر من يتمسك بها بالخير وبرضاء الله والصلاح في الدنيا وعقبى الدار في الآخرة، وهي كذلك بالفعل فقد فتحت الوحدة أمام شعبنا آفاقاً واسعة للتطور والتقدم وإنجاز أهداف التنمية الشاملة.. وليس هذا وحسب - بل- أننا وفي ظل سنوات العطاء الوحدوي تجاوزنا الكثير من التحديات والمصاعب والأخطار كان من الصعب تجنب تأثيراتها وانعكاساتها الماحقة في ظل وضعية التشطير. وفي إطار نعمة الوحدة امتلك كل مواطن يمني حقه في اختيار من يحكمه عن طريق صناديق الاقتراع. ولا يتوقف الأمر عند ذلك فالواقع أن فضائل الوحدة علينا لا تعد ولا تحصى وهذا لا يعني بأي حال من الأحوال أننا قد تخلصنا من كل المشكلات والمصاعب.. فمن الواضح أن هناك مشكلات لا زالت تعترض طريقنا وعلى رأسها المصاعب الاقتصادية وقضية البطالة ومحدودية الموارد التي تزيد من هوة الفقر وغيرها من القضايا التي تتطلب عملاً مثابراً من جميع أبناء الوطن سلطة ومعارضة، رجالا ونساء، شبابا وشيوخا، مثقفين وفلاحين، عمالا وأكاديميين، كل في مجال عمله ولما من شأنه التغلب على تلك المشكلات وإيجاد المخارج والحلول السليمة لها من منظور واع تتقدم فيه المصلحة الوطنية العليا على المصالح الذاتية والأنانية. ومن الأهمية أن يحرص الجميع على إحلال هذا الاصطفاف الوطني الواسع خاصة في مثل هذه المرحلة التي أطلت فيها بعض المشاريع الصغيرة، التي يسعى أصحابها إلى إعاقة مسيرة التنمية عن طريق تحريض بعض الغوغاء والمرضى المعتوهين والمغرر بهم ودفعهم إلى إثارة الفتن بين أبناء الوطن الواحد وكذا القيام بأعمال التخريب والشغب وزعزعة الأمن والاستقرار. ولا يخفى على أحد أن من يحركون مثل هذه المشاريع الصغيرة هم من أصحاب السوابق الذين ظلوا يناصبون الوطن ووحدته العداء والحقد ظناً منهم أنهم بهذه المشاريع الظلامية سيتمكنون من إعادة عقارب الزمن إلى ما قبل الثورة اليمنية ويوم الثاني والعشرين من مايو عام 1990م. ومع أن مخططات هذه العناصر المأجورة قد منيت بالفشل الذريع ولم تحقق إلاّ الخيبة والانكسار فإنها لم تتعظ ولم تستفد من تجارب الماضي. وهاهي هذه المرة تطل علينا من جديد معتقدة أنها ستصل إلى مبتغاها دون إدراك أن الشعب سيكون لها بالمرصاد وأن مصيرها سيكون أسوأ مما سبق، وان هذا الشعب الذي سطر تاريخاً مشرفاً في الدفاع عن وحدته ومنجزات وطنه يستحيل عليه التفريط اليوم بثوابته الوطنية وأمنه واستقراره.. فإرادة الشعوب هي من إرادة الله، أما الخونة والعملاء فلا إرادة لهم.. وما ينتظرهم هو السقوط في مزبلة التاريخ.