على قاعدة التقييم للنتائج التي خرجت بها المؤتمرات الفرعية للسلطة المحلية التي تختتم آخر فعالية لها اليوم في أمانة العاصمة بعد أن انتهت جميع محافظات الجمهورية من عقد مؤتمراتها الفرعية بنجاح كبير وتفاعل خلاق ومشاركة واسعة استوعبت جميع ألوان الطيف السياسي والحزبي وقيادات العمل التنفيذي والمجتمعي والسلطة المحلية، فإن ما أفضت إليه هذه المؤتمرات لم يقتصر على مجموعة القرارات والتوصيات والمقترحات التي حملت في مضمونها تشخيصاً دقيقاً لسلم الأولويات التنموية والتحديات الماثلة على مستوى كل محافظة.. بل إن أهم ما انتهت إليه هذه التظاهرات الديمقراطية، قد تجلى في تمثلها لقيم الشراكة الوطنية وتأكيدها أيضاً على المعنى الأصيل لهذه الشراكة والذي تبلورت دلالاته في استشعار جميع الفعاليات السياسية والمكونات الجماهيرية والشعبية بدورها ومسؤولياتها تجاه مختلف التحديات والقضايا والهموم الوطنية باعتبار الجميع شركاء في ثنائية النجاح والفشل مما يعني معه أنه وبالقدر الذي يكون فيه الجميع شركاء في البناء فإنهم معنيون أيضاً وانطلاقاً من هذه الشراكة بالعمل سوياً في تجنيب الوطن أية سلبيات تعيق عملية النهوض التنموي وتعزيز البناء المستدام والتعاطي الإيجابي مع استحقاقات المرحلة القادمة وفي مقدمتها الانتقال إلى الحكم المحلي واسع الصلاحيات بطرق سلسة تدفع إلى التقدم نحو هذه الخطوة التاريخية التي ستسهم بشكل عملي في تمكين المجالس المحلية من إدارة شؤون مجتمعاتها وتلبية متطلباتها التنموية والخدمية وفق آليات واقعية بعيداً عن المركزية وتعقيداتها. والثابت أن مثل هذا التوصيف لمفهوم الشراكة الذي أحاطت به المؤتمرات الفرعية للسلطة المحلية لم يكن نتاج رؤية أحادية أو اجتهادات فردية بل انه كان ثمرة من ثمار سلسلة الحوارات الجادة التي جرت بين أكثر من 60 ألف مشارك ومشاركة من النخب السياسية والفكرية والاجتماعية مثلوا قوام المؤتمرات الفرعية في عموم محافظات الجمهورية. ويستفاد من هذا الأنموذج أنه وكلما كان الحوار بناءً وهادفاً ويصب في خدمة المصالح الوطنية العليا أمكن الوصول للحلول والمعالجات مهما كانت وأنه أيضاً ومتى صدقت النوايا وحل منطق العقل محل الشطط والمزايدات والمصداقية بدلاً عن الصراخ والمناكفة والكيد السياسي وتغلب العام على الخاص، فإن الوصول إلى الأهداف والغايات يصبح أمراً متاحاً وسهل المنال. ومن الواقعية أن تحرص كافة مكونات العملية السياسية والحزبية على الساحة الوطنية من الاستفادة من ذلك الأنموذج الذي جسدته المؤتمرات الفرعية للسلطة المحلية في أدبياتها وهي تشدد على ضرورة تعميق مبدأ الشراكة الوطنية في توجهات مختلف الفعاليات الوطنية والسياسية والحزبية لما من شأنه بناء الوطن وتأمين حاضره ومستقبله. ونعتقد أن أول خطوة لتكريس وإحلال هذا المبدأ تقتضي التجاوب والتفاعل مع دعوات الحوار باعتباره الخيار الحضاري الذي يتيح للأفكار أن تخاطب بعضها بعضاً بعيداً عن الرؤى الجاهزة والتمترس وراء بعض الأطروحات والأفكار النزقة التي توسع الهوة بين هذه الأطراف وتنعكس بتأثيراتها السلبية على المسار الوطني وتوجهاته التنموية والديمقراطية. وما من شك أنه وبعد أن صارت أبواب الحوار مفتوحة على مصراعيها فلم يعد من المقبول أن يظل البعض يمارس هواية الإثارة وأساليب الجدل العقيم عبر وسائل الإعلام بهدف تسميم الحياة السياسية بأطروحات يكون فيها الخطأ أكثر من الصواب والمبالغة والتهويل على حساب الطرح المتزن والمتوازن والصادق. حيث والمؤسف أن من يعمدون إلى استخدام وسائل الإعلام والقنوات الفضائية لتصفية حساباتهم السياسية مع الحزب الحاكم عن طريق تشويه الحقائق وتضخيم بعض الحوادث وتقديم صورة سلبية عن الوطن.. لايضرون بذلك الحكومة أو السلطة بقدر ما يلحقون الأذى باليمن ومصالحه العليا عبر تخويف الاستثمارات وتعطيل مشاريعها التي كان من الممكن أن توفر الكثير من فرص العمل أمام الشباب العاطل دون إدراك من هؤلاء الذين ماتت ضمائرهم، أن الترويج للأكاذيب وتشجيع الغوغاء والتحريض على أعمال الشغب والتخريب أنهم بتلك التصرفات والسلوكيات الرعناء يقترفون جرماً مشهوداً بحق وطنهم وشعبهم، ويضاعفون من معاناة الناس ومتاعبهم. ولا ندري ماهي الفائدة التي يجنيها هؤلاء من وراء إصرارهم على ذلك النمط من السلوك الخاطئ والمنحرف؟ رغم علمهم أن ما يطلقونه من أكاذيب وأراجيف وما يروجون له من افتراءات ليس أكثر من زوبعة في فنجان وفرقعات إعلامية سرعان ما تتلاشى في الهواء. وهل من الوطنية والديمقراطية أن يصل الأمر بالبعض إلى هذه الدرجة من الجحود والعقوق لوطنهم وهو الذي منحهم العيش الكريم ووفر لهم مناخات الأمن والحرية والسكينة والطمأنينة، وأين العقلاء الذين يمكن لهم زجر هؤلاء الحمقى وإعادتهم إلى جادة الصواب والوعي بحقيقة أن مصالح الوطن هي خطوط حمراء لا يجوز لأحد الاقتراب منها بسوء القول أو الفعل وأن عقوق الوطن يفوق في بشاعته عقوق الوالدين.