الحقيقة التي يعرفها حتى البسطاء من أبناء الشعب اليمني أنه ما كان لتلك العناصر التخريبية والخارجة على النظام والقانون أن تتمادى في غيها وأفعالها الإجرامية وأن تتجاوز الخطوط الحمراء وتعمد إلى أعمال الشغب والتقطع والاعتداء على الممتلكات الخاصة والعامة وإثارة القلاقل والفتن وتسيء إلى الوحدة الوطنية لينتهي بها المطاف إلى ممارسة التصفيات الجسدية للمواطنين الأبرياء بدافع مناطقي بحت ، لولا أن بعض الأحزاب وقياداتها ظلت تقدم المبررات الواهية لأولئك النفر من المعتوهين والمأزومين والمجرمين بل وتشجعهم على الإيغال في أفعالهم إما بدافع ممارسة الابتزاز السياسي والضغط على الحزب الحاكم أو رغبة في الحصول على بعض المكاسب الحزبية الضيقة والمصالح الذاتية. وتتجلى شواهد هذا الأسلوب الانتهازي في المواقف الضبابية والمتواطئة لتلك الأحزاب حيال الأعمال الخارجة على النظام والقانون التي تقترفها عناصر التخريب وممارساتها التي تستهدف إعاقة عملية التنمية واستتباب الأمن والاستقرار وتعطيل حركة الاستثمارات والإصلاحات الاقتصادية والإدارية والمالية. ويصل الأمر مداه في حالة التناقض الصارخة لهذه الأحزاب التي ما فتئت تحمل الحكومة مسؤولية الحفاظ على الأمن والاستقرار وتطالبها بفرض سيادة الدستور والقانون ، وفي ذات الوقت أول من تسارع إلى مطالبة الأجهزة الأمنية بالإفراج عن المتهمين بجرائم القتل وقطع الطرقات والمخربين والمعتدين على الممتلكات العامة والخاصة ومثيري القلاقل والفتن والنعرات المناطقية والشطرية ودعاة الفوضى والتشرذم والفرقة الذين يتحركون في إطار مخطط تآمري يستهدف اليمن وأمنه. والأكيد أن مسألة كهذه تثير العديد من علامات الاستفهام إزاء كل ما يتصل بدور هذه الأحزاب في ما تشهده الساحة الوطنية من أحداث سواء تلك التي تتصل بأعمال التمرد للعناصر الحوثية في بعض مناطق محافظة صعدة أو تلك المرتبطة بالممارسات التخريبية لبعض الغوغاء في أجزاء من مديريات محافظتي الضالع ولحج؟!! خاصة بعد أن استمرأت هذه الأحزاب التوظيف الاستغلالي لتلك العوامل في أمور لا تخدم العملية الديمقراطية والشراكة المصيرية بين المصفوفة الحزبية والسياسية بجناحيها الحاكم والمعارض. وهو ما يمكن استشراف ملامحه في الإهدار العبثي للوقت وعدم حرص البعض على قضية الحوار الديمقراطي الذي توافقت حوله كافة أطراف المنظومة الحزبية وتم تأجيل الانتخابات البرلمانية بقصد استكمال هذا الحوار والتوصل إلى أفضل الخيارات التي تهيئ المناخات الملائمة أمام إجراء هذه الانتخابات وتطوير نظامها وتعزيز نموذجية التجربة الديمقراطية اليمنية. ولكن ما يحدث اليوم هو أن هناك من يميل إلى جر البلاد إلى أزمة دستورية من خلال إطالة أمد التأجيل لمسألة الحوار ذاته ، وجنوح هذا الاتجاه المدمر للحياة الديمقراطية ومسيرة التنمية الاقتصادية والاجتماعية ، هو بلا شك جنوح خطر سيكون أول المتضررين منه، أولئك الذين يعتقدون أنهم ومن خلال السباحة عكس التيار وافتعال الأزمات سيتمكنون من انتهاز الفرص وتحقيق مكاسب أكبر بمعزل عن صناديق الاقتراع وإرادة الناخبين رغم إدراكهم أن مثل هذه الأساليب الملتوية سبق وأن فشلت كما هو شأن كل المناورات والتكتيكات التي تساقطت هي الأخرى أمام الوعي الديمقراطي الذي صار يتسلح به المواطن والذي استوعب بفطنته ما تنطوي عليه مثل تلك المناورات ومن انتهازية تتصادم مع مفاهيم الديمقراطية الناضجة والمعايير المتعارف عليها للتداول السلمي للسلطة والتي يسعى البعض إلى استبدالها بتفاهمات للتقاسم دون إدراك لحقيقة أن مخرجات كهذه قد تجاوزها العصر وأن من يتطلع إلى السلطة عليه كسب الرهان في صناديق الاقتراع باعتبار أنها صارت الحكم ولا خيار غيرها للوصول إلى السلطة. والمطلوب والمرغوب أيضا أن يفطن أولئك الذين يبنون حساباتهم ورهاناتهم على التوظيف للأزمات ، إلى أن الأزمات لا تنتج ثمار خير وإنما تكون وبالا على من ينفخ فيها كما هو شأن الكير الذي يحرق نافخيه قبل أن يصل بشرره إلى غيرهم.. ومن مصلحة هؤلاء أن يستفيقوا من أوهامهم بصحوة ضمير تعيدهم إلى المسار الصحيح.