الضجيج المبالغ فيه في بعض وسائل الإعلام بشأن ما يوصف بخطر الإرهاب في اليمن، يكشف عن أن من يثيرون ذلك الصخب إما أنهم يقعون تحت تأثير بعض التقارير المغلوطة أو أنهم يجهلون تماماً حقيقة أن اليمن لم يكن في أي يوم أو فترة خلت مأوى للإرهاب أو ملاذاً لعناصره المتطرفة، وإنما كان شأنه شأن الكثير من الدول ضحية لهذا الوباء الخبيث، الذي تحول عقب انتهاء الحرب الباردة والصراع الأيديولوجي الذي كانت افغانستان أبرز ساحات مواجهاته. إلى ظاهرة عالمية عابرة للقارات لا دين لها ولا وطن، حيث أدت تلك المتغيرات بذلك العدد الكبير من الشباب الذين توافدوا على أفغانستان كمتطوعين للجهاد من مختلف البلدان الإسلامية إلى إعادة الانتشار في بلدانهم وخارجها حاملين الفكر المتطرف وثقافة التعصب والغلو والتشدد ونوازع الحقد والانتقام التي تم حشوها وبذرها في عقولهم ودواخلهم من قبل قيادات بعض التنظيمات الإرهابية التي وجدت في الصراع الذي شهدته الساحة الأفغانية، الأرضية الخصبة والفرصة الملائمة لصهر أولئك الشباب في بوتقة فكرها الإرهابي. وليس بعيداً عن أي متابع أن اليمن كانت في مقدمة الدول التي تأثرت بإفرازات الجنوح الإرهابي الذي كان تحصيل حاصل لمعطيات الحرب الباردة وأحد إفرازات ما أفضت إليها فصولها. وبالمثل فقد واجهت العديد من الدول العربية والإسلامية الكثير من المتاعب جراء استفحال ظاهرة الإرهاب، التي اتجهت إلى التمدد بفعل وقوع عناصرها وشخوصها تحت تأثير تنظيمات إرهابية وفي الصدارة منها تنظيم القاعدة، الذي وضع على رأس أجندته تدمير الميراث الثقافي والأخلاقي والديني لدى من قام بغسل أدمغتهم بفكره المتشدد لإضعاف انتمائهم الوطني ، ليصبح انتماؤهم للتنظيم بدلاً عن الوطن. ومن الواضح أن اليمن كانت أول من حذر من مخاطر ظاهرة الإرهاب، ودعت إلى تعاون دولي لمواجهة تهديداتها للأمن والسلام الإقليمي والعالمي، مدركة أن تلك الظاهرة العنيفة لا تتوقف شرورها عند الحدود الوطنية للقطر الواحد بل أنها تبني مخططاتها على أساس ضرب الأمن الشامل للمجتمعات البشرية. وإذا كانت التضاريس الجبلية والطبيعة الجغرافية والموقع الاستراتيجي الذي تتمتع به اليمن قد شكلت عاملاً محفزاً لتسلل بعض عناصر القاعدة، فإن ذلك لا يعني أن أجهزتنا الأمنية كانت غافلة عن ذلك، بدليل أنها شرعت ومنذ وقت مبكر في وضع استراتيجية أمنية لمواجهة الأعمال الإرهابية وتطويق عناصرها وملاحقتهم والقبض عليهم وتقديمهم للعدالة. ويخطئ من يتوهم أو يعتقد أن اليمن يمكن أن تتحول إلى ملجأ آمن للإرهاب، أو يتصور أن العناصر الإرهابية يمكن لها الإفلات من قبضة وسطوة الأجهزة الأمنية ويدها الطولى. وأكبر دليل على ذلك هو تلك العمليات الاستباقية التي نفذتها ضد الأوكار الإرهابية في أرحب وأبين وأمانة العاصمة وشبوة بنجاح فائق وقدرة عالية، أكدت من خلالها أنه لا تهاون أو تراخي مع الإرهاب حتى يتم استئصال هذه الآفة، وتطهير الأرض اليمنية من أفعالها الإجرامية، وبالتالي فإن ما تروج له بعض وسائل الإعلام من هرطقات وتوقعات هلامية ليس لها من معنى ولا هدف سوى الإثارة لكونها لا تستقيم مع أي منطق أو حقائق أو مؤشرات واقعية. وكان بإمكان تلك الوسائل الإعلامية الالتزام بالموضوعية في تناولاتها لظاهرة الإرهاب في اليمن، بمجرد نقلها لذلك الإنجاز الساحق الذي حققته الأجهزة الأمنية اليمنية عبر تلك العمليات الاستباقية النوعية، وتعيد حساباتها بعيداً عن التخمينات والتوقعات التي تقوم على الرجم بالغيب والفهم القاصر للقدرات الذاتية التي تمتلكها الدولة في مواجهة تنظيم القاعدة الإرهابي أو غيره من الظواهر التي تبني معاركها على المغامرة واللجوء إلى أساليب التخريب والفقاعات الصابونية. والمؤكد أنه لم يكن لتلك الزوابع، التي لا تحمل أي صدقية أن تثار، وعلى ذلك النحو المبالغ فيه سواء حول قضية الإرهاب، أو الأعمال الخارجة على النظام والقانون، التي تقترفها شراذم محدودة، أكان ذلك في محافظة صعدة أو في بعض مديريات المحافظات الجنوبية بعيداً عن ذلك التضليل الذي يمارسه بعض الناقمين والحاقدين على الوطن الذي ينتمون إليه. فهؤلاء الذين يلهثون وراء الشهرة في وسائل الإعلام هم وحدهم من ساءهم نجاح الأجهزة الأمنية في ضرب أوكار الإرهابيين وإفشال مخططهم الذي كان يستهدف العديد من المؤسسات والمنشآت الوطنية والأجنبية وسفك دماء الأطفال في المدارس وقتل الأبرياء في الشوارع، وهؤلاء هم أنفسهم من ينكرون على الدولة حقها في ضرب الإرهاب أو هم من يتمنون صوملة اليمن وأفغنته، ويحلمون باللحظة التي يصبح فيه هذا البلد ساحة تعمها الفوضى والانفلات والدمار والخراب. كما أن هؤلاء الذين لا يحلو لهم العيش إلاّ في ظل الأزمات، قد وصل بهم الهوس والتهور والخسة درجة صاروا فيها مجرد أبواق لتشويه صورة اليمن والإساءة لها في منابر إعلامية معروفة أهدافها وغاياتها. ولنفس الباعث والسبب نجد أن هذا البعض مع الأسف الشديد قد بلغ به السفه حدّ النهش في الوطن لأسباب لا تخلو من الشخصانية والمطامع الذاتية. وفي ظل هذه الحالة الهستيرية فإنهم لا يخجلون ولا يستحون وهم يتصدرون للدفاع عن الإرهابيين والمخربين والخارجين على النظام والقانون، ويتماهون مع كل عميل وشيطان فيما يرتفع زعيقهم وعويلهم كلما قامت أجهزة الدولة والحكومة بأداء واجباتها الدستورية في تأمين وصيانة أمن واستقرار الوطن والسكينة العامة لأبنائه والتصدي لكل عابث أو مارق ينتهك الثوابت الوطنية ويعتدي على حرمة الطريق العام ويستبيح دماء الأبرياء ويستعذب هتك الأعراض. والأسوأ من كل ذلك أن يصبح هؤلاء استثناء عن كل البشر في العالم الذين يقدسون أوطانهم فيما هم يسقطون كل المقدسات من حساباتهم. ومع ذلك يبقى القول الفصل بأن اليمن أقوى من كل المؤامرات والدسائس وهو اليوم في كامل جهوزيته لحسم معركته مع الإرهابيين وحلفائهم من المتمردين والخارجين على النظام والقانون الذين لن يفلتوا من مصيرهم المحتوم، ونهايتهم البائسة ولن يطول الوقت حتى تعرف تلك الأصوات النشاز والأبواق الحاقدة أن إرادة الشعوب هي من إرادة الله وأن انجرارها وراء التضليل والخداع وتشويه صورة اليمن لن تجني من ورائه سوى الخسران والخيبة ومرارة العلقم.