شاءت الأقدار ان لا أغادر أرض الجنتين بدعوة من سمو الأمير متعب بن عبدالله بن عبدالعزيز الى أرض الحرمين الشريفين للمشاركة في مهرجان الجنادرية للثقافة والتراث والاسهام في أُمسياته.. الشعرية.. إلا وقد ودعت إذاعة صنعاء البرنامج العام درتها.. وبعد ان أذرف دمعة تبلل تربة احتضنت إحدى حبات العقد النفيس الذي يزين جيد تلكم الإذاعة العريقة، والوسيلة الإعلامية ذات التاريخ.. قبل ثلاثة أيام على فقد العلامة يحيى ناصر الدرة التقيته في ساحة الإذاعة بعد انتهائه من تسجيل آخر حلقات برنامجه الشهير (مع أولى العلم) البرنامج الخدمي التوعوي التثقيفي الذي تصدر البرامج التي اهتدينا اليها بعد تعيين مدير عام لبرامج الإذاعة.. وحمل صوت وجمال نفس الاستاذ يحيى ناصر الدرة منذ العام 6991م. قرأت في صغري.. في إحدى المخطوطات الرسول الكريم«صلى الله عليه وآله وسلم» قال: «إن موت قبيلة بأكملها أهون على الله من موت عالم» وإن «نور العالم عبادة» وفي ذلك ما يرفع من مكانة العلماء الذين لا يستوون مع من لا يعلمون لدورهم في تجسيد ما أراده الله سبحانه من رسالات اختبار من يبلغها لما فيه خير الناس وتنظيم شؤون حياتهم ورفع الظلم..إلخ.. وإذا ما كان العالم قد احتل هذه المكانة- فيما مضى- من خلال حلقات العلم وتزويد المريدين بالمعارف، والإفتاء، فإن هذا الدور يتعاظم، ويتعاظم أجره عند الله، وقد صار العالم يقوم بهذا الدور عبر وسائل أكثر انتشاراً وتواصلاً مع الناس أينما كانوا، وذلك عبر وسائل الإعلام السهلة التواصل مع الناس وفي مقدمتها الإذاعات..هذا ما فعله الفقيد يحيى الدرة عبر إذاعة صنعاء التي احتضنته منذ ريعان شبابه او من خمسينيات القرن الميلادي الماضي، عبر مساهماته وإشرافه على الشؤون الدينية ثم عبر برنامج (مع أولى العلم). يحيى الدرة الزميل هو الأستاذ الذي تعلمنا منه، وكان مرجعيتنا اللغوية.. ومن لا نجروء على التعاطي مع بعض الأمور الدينية إلا بمشورته والعرض عليه، وهو من لم يسىء الى زميل، ولا يجادل إلا بالتي هي أحسن، وعلى وجهة تكلم الابتسامة التي لا تفارقه ولا تغرب عن أعيننا. يحيى الدرة الإعلامي، هو الوطني المستوعب لأخلاقيات العمل الإعلامي وشرف المهنة وأمانتها.. المدرك لرسالة الإعلام المسموع.. الحريص على أداء رسالة حمل أمانتها.. وهو المنفذ بجدارة لما يُطلب منه. يحيى الدرة العالم أو رجل الدين، هو المتشبع بثقافة المحبة والتسامح والوسطية.. والهداية والعمل الصادق لمنع أو الحيلولة دون الانزلاق في مهاوي التطرف والغلو والمفاهيم الخاطئة. أما يحيى الدرة الإنسان.. فيكفي ان درة الإذاعة، ومن زرع أخلاقة ونبله في أبنائه النجباء.. ومن كان صديق الجميع خاصةً البسطاء من الناس رجالاً ونساءً. إن خسارتنا فيه كخسارتنا لما تساقط من العقد النفيس الذي يزين جيد إذاعتنا ووسائلنا الإعلامية عموماً. الرحمة للفقيد.. والعصمة لقلوب فجعت برحيله.. لقد كنت أرجو أن يدعو لي في بيت الله، وها أنا أتجر لأمواله أمام كعبة وقبلة المسلمين.