اذا استثنينا لبنان بحكم تجربته الديمقراطية التوافقية القائمة على اساس طائفي ومذهبي نتيجة لتعقيد التركيبة السكانية فيه فإننا سنجد ان المعارضة في مختلف دول الوطن العربي من مغربه الى مشرقه، ومن جنوبه الى شماله في الدول التي تدعي انها تتبنى خيار الحرية والديمقراطية كلها في تفكيرها ومفهومها للشأن السياسي واحد لا يتغير.. ولا يوجد اية فارق بين دولة واخرى.. أي انها معارضة لمجرد المعارضة لا اقل ولا اكثر. ولذلك فقدت تأثيرها الجماهيري في الشارع العربي والحكومات لا تحسب لها حساباً.. الامر الذي جعل الانظمة والحكام يمددون ارجلهم ولا يبالون اسوة بالامام ابي حنيفة -رحمه الله- الذي تعود ان يمد رجليه امام طلبته بسبب آلام كان يعاني منها.. وعندما دخل عليه رجل حسن المظهر وهو يدرس طلبته رفع رجليه احتراماً لهذا الرجل.. لكن عندما بدأ هذا الرجل يسأل اسئلة سخيفة لا تليق بما يظهره مظهره من هيبة ما كان من الامام ابي حنيفة الا ان اعاد رجليه الى وضعهما السابق وقال معلقاً على ذلك الموقف: «فليمدد ابي حنيفة ولا يبالي». وقصة المعارضة في الدول العربية الديمقراطية لا تبتعد كثيراً عن حكاية هذا الرجل الذي دخل على الامام ابي حنيفة بهيبة مظهره ولكنه عندما تكلم فقد احترامه.. وهناك قول مأثور للامام علي بن ابي طالب «كرم الله وجهه» مفاده: «اهاب الرجل حتى يتكلم».. اذاً المعارضة السياسية في البلدان العربية على كثرتها وكثرت احزابها لم تحقق حتى اليوم نجاحاً واحداً يمكن ان يجعل الشعوب العربية تثق فيها وتأمل انها ستكون منافساً حقيقياً للحكومات من اجل خدمة القضايا العربية. واذا نظرنا الى خطابها الاعلامي سنجده خطاباً ممجوجاً أسوأ من الخطاب الرسمي لا يحوز على رضى المواطنين الذين يتوقون الى التغيير. وعندما نتأمل الى التصرفات الشخصية لمن يقودون هذه المعارضات في الوطن العربي نجد انها تقتصر على خدمة المصالح الذاتية على حساب قضايا الشعوب.. صحيح احياناً قد يلجأ الخطاب الاعلامي المعارض الى دغدغة عواطف ومشاعر العامة حينما يلجؤون الى اسلوب النقد الجارح الذي يتضمن الشتائم والسباب واطلاق الاتهامات على عواهنها الامر الذي يسيء الى المعارضة وينال منها قبل ان ينال من الجهة المستهدفة وهي الحكومات العربية. وحين تقيس المعارضات شعبيتها وتجدها ضعيفة تلجأ الى التشكيك في كل شيء للخروج من مأزقها -كما حصل مؤخراً- في السودان حينما تم الاتفاق على اجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية والبلدية ووافقت عليها كل الاحزاب الحاكمة والمعارضة وجرت الاستعدادات لها على اكمل وجه من قبل الجميع وتم ترشيح المنافسين للرئيس عمر البشير.. لكن قبل ايام قليلة من اجرائها فوجئ الرأي العام السوداني والعرب جميعاً بمقاطعة الكثير من احزاب المعارضة للانتخابات وسحبت مرشحيها بحجة ان هناك تزويراً في الانتخابات وعملية الاقتراع لم تبدأ بعد. ثم طالبت هذه الاحزاب بتأجيل الانتخابات بحجج وذرائع واهية، ولكن لان الله يريد ان يفضح اصحاب النوايا الخاسرة فقد سارع احد القياديين في حزب معارض الى التصريح بالقول: ان امريكا تريد انتخابات نزيهة.. وهنا يطرح السؤال نفسه: هل الانتخابات سودانية ام انها انتخابات امريكية؟ حتى تشترط امريكا ان تكون نزيهة. ان المستفيد من ضعف المعارضة في الوطن العربي هي الحكومات العربية نفسها لأنها بذلك تضمن الاستمرارية في الحكم دون منافس حقيقي.. ولو كانت كل معارضة في كل دولة عربية يسمح دستورها بالحرية والديمقراطية والتعددية الحزبية تحاول ان تكسب الشعب الى جانبها وتحصل على ثقته من خلال التخاطب معه بموضوعية، وتدخل المعترك السياسي بثقة لا يهمها الا خدمة قضايا الشعب، فان كل حكومة عربية ستعمل لها الف حساب.. لكن لانها لا تشكل عليها اية خطورة تذكر فان على الحكومات العربية ان تمدد ارجلها ولا تبالي لانها تعتقد انها تواجه معارضة سلبية.. وكما يقال: فاقد الشيء لا يعطيه!!.