ما حصل يمثل في الواقع اول تصدير للارهاب من الصومال الى دولة مجاورة ويشير الى نقطة تحول بالغة الخطورة على الصعيد الافريقي خصوصا ان البيان الذي اعلنت فيه ميليشيا "الشباب" مسؤوليتها عن التفجيرين ترافق مع تهديدات مباشرة الى اوغندا وبوروندي بحجة انهما ارسلتا قوات الى الصومال لدعم الحكومة الموقتة التي يفترض ان تكون الحكومة الشرعية. لم يعد في الامكان الاكتفاء بالكلام عن دولة فاشلة في الصومال وحروب داخلية لا تنتهي في هذا البلد الذي تعمه الفوضى منذ العام 1991 تاريخ خروج محمد سياد بري من السلطة وانتقاله من مقديشو الى حضن قبيلته التي وفرت له الحماية ثم الى نيجيريا حيث اقام الى حين وفاته في العام 1995. منذ فشل المحاولة الاميركية للتدخل في الصومال في اواخر عهد الرئيس بوش الاب في العام 1992، راح العالم يتفرج على ما يدور في هذا البلد من منطلق ان الانسحاب العسكري الاميركي منه، وهو انسحاب حصل بطريقة مهينة، يؤكد ان لا حل في المستقبل المنظور وان اعادة توحيد الصومال صارت من رابع المستحيلات. في العام 2006، اضطرت اثيوبيا الى التدخل عسكريا من اجل منع وصول المتطرفين الاسلاميين (المحاكم الاسلامية) الى السلطة وسيطرتهم على معظم اراضي الصومال. كانت اثيوبيا تشعر بانها مهددة وان لا خيار امامها سوى ارسال جيشها الى الصومال خشية تحولها قاعدة عمليات للاسلاميين المتطرفين. حمى النظام الاثيوبي نفسه، لكنه اضطر الى سحب قواته من الاراضي الصومالية في العام 2009 بعد تعرضها لحرب عصابات اوقعت خسائر كبيرة في صفوفها. لم ينفع الدعم الاميركي للتدخل الاثيوبي ولم يعد ينفع في الوقت الراهن الوجود الافريقي عبر قوة سلام تضم نحو خمسة آلاف وستمئة رجل تقتصر مهمتها على منع سقوط الحكومة الموقتة التي تسيطر بالكاد على بضعة شوارع واحياء محيطة بالقصر الرئاسي في مقديشو. ما الذي في استطاعة المجتمع الدولي عمله لاحتواء الوضع الصومالي الذي بات يخشى من انتشار عدواه في اتجاه اوغندا وبوروندي وكينيا وتنزانيا؟ مرة اخرى يتبين كم كان كبيرا خطأ ترك الازمة الصومالية تجرجر طوال عشرين عاما. فقدت الصومال ذات الموقع الاستراتيجي اهميتها منذ انتهاء الحرب الباردة وانهيار الاتحاد السوفياتي. في تلك المرحلة، لم يعد مهما هل يبقى سياد بري في السلطة ام لا. في النهاية انتصر منطق الجنرال العجوز الذي حكم الصومال بالحديد والنار بين 1969 و1991. يقول هذا المنطق انه لن يعود هناك صومال بعد رحيل سياد بري. ادرك العالم متأخرا ان الصومال لا تزال مهمة وانه في حال استمرار الوضع الراهن، هناك من سيملأ الفراغ. المؤسف ان من سيملأ الفراغ لن يكتفي بالسيطرة على الصومال، بل سيستفيد من ارضها لشن هجمات في كل الاتجاهات. الصومال تهدد اوغندا وكينيا وبوروندي وتنزانيا مثلما انها تهدد اليمن ذا الموارد المحدودة جدا والذي يتدفق على اراضيه آلاف اللاجئين الصوماليين. لم يعد هناك سوى سؤال واحد مطروح: ما العمل بالصومال، خصوصا ان سيطرة ميليشيا "الشباب" عليها واردة؟ تمثل ميليشيا "الشباب" الجناح الاكثر تطرفا في "المحاكم الاسلامية". قوي هذا الجناح نتيجة التدخل الاثيوبي الذي استمر ثلاث سنوات واكثر والذي اعتبره الصوماليون احتلالا حقيقيا للبلد. يتبين كل يوم ان جهل الغرب بافريقيا وعجز الافارقة انفسهم عن اتخاذ مبادرات في شأن قضية تخصهم سيؤديان الى توسيع رقعة الازمة الصومالية. سيزداد التهديد للسفن التي تمر في خليج عدن وسينتشر التوتر في كل منطقة الافريقي. المشكلة بكل بساطة ان لا حلول في الافق في ما يخص الصومال. كل التدخلات العسكرية فشلت حتى الآن. لم يعد هناك سوى مخرج واحد يتمثل في الحوار مع "الشباب". من الآن، لا يبدو هذا الحوار مجديا نظرا الى ان تلك الميليشيا تجاهر بأنها تنتمي الى "القاعدة". هل يكون الصومال اول بلد تتولى فيه "القاعدة" السلطة بشكل علني؟ في افغانستان، وحتى السنة 2001، كانت "القاعدة" شريكا في السلطة مع "طالبان". سقطت "طالبان" لانها رفضت التخلي عن "القاعدة" بعد "غزوتي نيويورك وواشنطن" في الحادي عشر من ايلول- سبتمبر 2001. كان العالم، ولا يزال، يعاني من افغانستان واحدة. عليه الآن مواجهة احتمال ولادة افغانستان اخرى في الصومال. ما حدث يوم الحادي عشر من تموز 2010 كان نقطة تحول في منطقة شرق افريقيا. انه حدث ستكون له انعكاساته على القارة كلها في غياب اي قدرة لدى اي طرف على ايجاد علاج ما او اختراع حل يؤدي في احسن الاحوال الى احتواء الحالة الصومالية والحؤول دون تمددها افريقيا. تمثل الصومال دليلا آخر على فشل الحرب الاميركية على الارهاب. يتبين كل يوم ان ادارة بوش الابن خلفت لباراك اوباما تركة ثقيلة ومشاكل غير قابلة للعلاج، لا حلول لها. يكفي طرح السؤالين الآتيين للتأكد من حجم هذه المشاكل: ما العمل بافغانستان؟ ما العمل بالصومال؟