ما الذي يطلبه بنيامين نتانياهو من الفلسطينيين؟ الجواب بكل بساطة انه يريد منهم التفاوض معه من اجل توقيع صك استسلام يتخلون بموجبه عن جزء من الضفة الغربية، بما في ذلك القدس الشرقية. لذلك، يبدو بيبي مستعجلا على معاودة المفاوضات المباشرة "من دون شروط مسبقة", في الواقع، يريد رئيس الوزراء الاسرائيلي، الذي يسعى الى تكريس الاحتلال وتفادي قيام دولة فلسطينية "قابلة للحياة"، اعتراف الفلسطينيين بوجود غالب ومغلوب، وبضرورة ان يفرض المنتصر شروطه على المهزوم، هذا ما يريده من دون اي مواربة مستفيداً من قناعة الادارة الاميركية بوجوب العودة الى المفاوضات المباشرة بين نتانياهو ورئيس السلطة الوطنية السيد محمود عبّاس (أبو مازن)، وذلك لاسباب اميركية قبل أي شيء آخر... ما دام الرئيس باراك أوباما استسلم امام بيبي نتانياهو، لماذا لا يستسلم محمود عبّاس بدوره امام ما يراه رئيس الوزراء الاسرائيلي؟ ربما كان ذلك هو السؤال الذي يطرحه نتانياهو على نفسه يومياً، خصوصاً ان الاجواء في الشرق الاوسط مواتية هذه الايام لاسرائيل، بعد كل ما فعله الاميركيون في العراق من اجل ضرب منظومة الامن العربية عن طريق تفكيك هذا البلد الاساسي الذي يشكل احدى الركائز الاساسية لهذه المنظومة. من الناحية العملية، وفي حال كان على المرء ان يكون واقعياً، يبدو الفلسطينيون في وضع لا يحسدون عليه، على الرغم من حصولهم على غطاء عربي، في حال شاؤوا العودة الى المفاوضات المباشرة. في الواقع ليس في استطاعة العرب تقديم اكثر من هذا الغطاء في ظل التعقيدات التي تمر بها المنطقة. يكفي التفكير ملياً في الاخطار التي يمثلها العراق في الوقت الراهن للتأكد من ذلك، ما يشهده العراق لا يشكل خطراً على العراق نفسه فحسب، بل ان التجاذبات التي يشهدها البلد تشير ايضاً الى ان العراق بات يشكل خطرا على كل المنطقة، خصوصا الدول المحيطة به بما في ذلك تركيا وايران. المؤسف ان على الفلسطينيين القتال على غير جبهة... ولذلك، يطلب منهم نتانياهو الاستسلام من دون قيد او شرط والتخلي عن القدس نهائيا وعن اجزاء من الضفة الغربية بما يرضي المستوطنين، واقصى اليمين الاسرائيلي الذي يمثله حالياً وزير الخارجية افيغدور ليبرمان الآتي الى اسرائيل من مولدافيا حيث كان يعمل حارساً عند باب احد النوادي الليلية ! لعلّ المشكلة الاولى التي تواجه الجانب الفلسطيني هي مشكلة بعض الأطراف الفلسطينية التي تسعى كلّ يوم الى اضعاف الموقف الفلسطيني، وايجاد اسباب تستند اليها اسرائيل كي تبرر سياستها القائمة على ممارسة ارهاب الدولة. وهذه الأطراف، عبر الشعارات التي تطلقها، لا تريد زوال الاحتلال، وتحويل أراضي الحكم الذاتي نموذجاً لما يمكن ان تكون عليه نواة الدولة الفلسطينية القادرة على تشكيل عامل استقرار على الصعيد الاقليمي، على العكس من ذلك، من اجل تغيير طبيعة المجتمع الفلسطيني وتحويل الاقتصاد الفلسطيني اقتصاداً ريعياً يعتاش من المساعدات والتهريب، وكل ما هو متعارض مع القوانين، اكثر من ذلك، توفّر لبعض القوى الاقليمية التي تعتاش من المأساة الفلسطينية فرصة كي يكون الشعب الفلسطيني وقوداً في معارك لا علاقة له بها من قريب أو بعيد. تمثل ممارسات بعض الأطراف الفلسطينية مصيبة كبرى للشعب الفلسطيني وأكبر خدمة يمكن تقديمها الى حكومة بنيامين نتانياهو التي تصرّ على الحصار الظالم لغزة وهو حصار يزيد في الوقت ذاته من معاناة المواطن العادي المقيم في القطاع، ويساهم في اخضاعه واذلاله. فضلا، عن هذه المصيبة، على الفلسطينيين المعاناة من وضع عربي لا يبشر بالخير. شئنا أم أبينا، لا همّ لدول الخليج العربي سوى الخطر الايراني، وهو خطر حقيقي، خصوصاً بعدما تبين ان ايران قادرة على التغلغل في العراق، ومنع تشكيل حكومة فيه على الرغم من مضي خمسة أشهر على اجراء الانتخابات النيابة، اكثر من ذلك، كلما بدت ايران محشورة بسبب العقوبات الدولية، تزيد من ضغطها في هذه المنطقة العربية او تلك فتحرك "حزب الله" في لبنان والحوثيين في اليمن... فوق ذلك كله، تأتي الادارة الاميركية التي اكتشفت أخيراً انها غير قادرة على تنفيذ الوعود التي قطعتها للجانب الفلسطيني، وذلك ليس بسبب عجزها عن ممارسة أي ضغط على نتانياهو فحسب، بل بسبب انشغالها بمسائل اخرى في مقدمها المستنقع الافغاني، فرض عليها المستنقع الافغاني التزام مواعيد الانسحاب من العراق من دون أي تقدير للنتائج التي يمكن ان تترتب على مثل هذه الخطوة، خصوصاً على صعيد اطلاق يد ايران في هذا البلد الذي كان يعتبر عربياً الى ما قبل فترة قصيرة. هل الوضع الفلسطيني ميؤوس منه؟ من حسن الحظ ان الفلسطينيين يستخدمون هذه المرة عقلهم، ويقاومون الاسرائيليين عن طريق بناء مؤسساتهم, هناك ايجابيات قليلة من نوع رفع مستوى التمثيل الفلسطيني في واشنطن وباريس. هذا ليس كافياً ولكنه افضل من لا شيء. يبقى الاهم من ذلك كله، ان المقاومة الحقيقية تحصل على الارض وذلك عن طريق بناء المؤسسات الامنية الفلسطينية التي تحول دون اي نوع من العمليات الانتحارية من جهة، وتجعل ارض الضفة الغربية مرحبة بأهلها بدل ان تكون طاردة لهم، هذه المؤسسات الامنية كرست حداً ادنى من الاستقرار جعل الاقتصاد الفلسطيني يتطور بما يحول دون انهيار في الضفة شبيه بانهيار غزة، ان تفادي مثل هذا الانهيار هو الذي يحول دون توقيع صك استسلام امام حكومة بنيامين نتانياهو وهو الذي يحول دون الخوف من المفاوضات اكانت مباشرة او غير مباشرة، اخيراً تعلّم الفلسطينيون، ولكن بعد دفعهم ثمناً غالياً، ان عليهم الاتكال على انفسهم اوّلا...