كل القضايا والموضوعات التي تهم الوطن حاضراً ومستقبلاً قابلة للحوار والنقاش والتداول والبحث، باستثناء ما يتصل بالثوابت الوطنية والمتمثلة بالنظام الجمهوري ومبادئ الثورة اليمنية 26 سبتمبر و14 أكتوبر والوحدة والديمقراطية، باعتبار أن مثل هذه المرتكزات تعد خطوطاً حمراء لا ينبغي الاقتراب منها لارتباطها المباشر بالمنطلقات التي تأسس على مداميكها اليمن الحديث، وكذا مسيرة النضال الوطني التي خاضها أبناء الشعب اليمني وقدموا في سبيلها التضحيات الجسام وقوافل الشهداء من خيرة رجالهم وشبابهم ونسائهم، حتى يهيئوا لوطنهم فرص الانعتاق والتحرر من كبت واستبداد واستعباد عهود الإمامة والاستعمار، والخلاص من براثن تلك الأوضاع الكئيبة والمظلمة. وإذا ما أدركنا كل هذا يصبح من غير المقبول من أي كان، حزباً أو فرداً، الخوض في وسائل الإعلام في موضوعات محسومة دون وعي أو إدراك أو تمييز بين الجائز وغير الجائز، وبين ما يُحتمل النقاش والحوار حوله، وبين ما يندرج في خانة الثوابت الوطنية التي تشكل مسلمات، وعَقْداً وطنياً لكل اليمنيين الذين حددوا خياراتهم في الانتصار لثورتهم ونظامهم الجمهوري ووحدتهم الوطنية ونهجهم الديمقراطي التعددي، شأنهم في ذلك شأن كل المجتمعات والشعوب التي رسمت لنفسها محددات ثابتة تكتسب درجة القداسة وتحرم دساتيرها وقوانينها المساس بهذه المحددات تحت أية ذرائع أو مبررات أو حتى التعاطي معها بموقف أو وجهة نظر تهز من مهابتها، وعلى سبيل المثال فلم نجد في بلد كالولايات المتحدةالأمريكية، رغم الفضاء الواسع للحريات، أن حزباً أو قيادياً حزبياً قد ظهر في وسائل الإعلام مطالباً بإعادة النظر في شكل النظام السياسي في هذا البلد، وإن حدث تجاوز كهذا فإنه يقابل بردٍ حازم وحاسم وإخضاع صاحبه للمساءلة القانونية التي لا تخلو من العقاب الصارم، مما له دلالة هامة على أن الثوابت في أي مجتمع كان ليست مجالاً للنقاش أو التنظير أو الاستعراض الكلامي في وسائل الإعلام، كما أن هذه الثوابت ليست ساحة للمماحكة والمكايدة السياسية أو وسيلة للتداول. نقول هذا من وحي ما نسمعه من بعض السياسيين والحزبيين، الذين يعمدون إلى الخلط بين أجندة الحوار التي يتعين أن تناقش من قبل مختلف ألوان الطيف السياسي، لما من شأنه إيجاد المعالجات للقضايا التي تهم الوطن، ومن ذلك تطوير مسارات العمل الديمقراطي والرقي بالآليات الانتخابية وتعزيز قواعد الشفافية في هذا الجانب، وبين قضايا لا يمتلك أحد حق مناقشتها، كونها من الثوابت الراسخة، سواء كان هدف هؤلاء إطلاق بالونات اختبار للناس وقابليتهم لاختراق موانع الثوابت، أو سعياً منهم إلى هز مهابة الثوابت في نفوس العامة في مسرحية هزلية لا تنم عن روح المسؤولية. والمؤسف أكثر أن تتكرر مثل هذه الوقائع الخطيرة من سياسيين وحزبيين يتصدرون موقع القيادة في أحزابهم رغم علمهم أن ما يطرحونه من تنظيرات فارغة ومصطلحات مفخخة يجرمها الدستور ولاتقرها حتى البرامج السياسية لأحزابهم، وبرغم خطورة المجاهرة بمثل هذه التجاوزات فإن الوعي المجتمعي قادر على إسقاط مرامي أصحابها وإفشال مراهناتهم خاصة وهم الذين يعلمون جيداً أن من يستهدفون الثوابت اليوم في وسائل الإعلام وإن تغيرت وجوههم فإنهم لا يختلفون عن القوى الارتدادية التي حاولت استهداف ثوابت الثورة اليمنية، وكما فشلت تلك المحاولة السابقة التي أرادات النيل من ثابت النظام الجمهوري فإن مآل المحاولة الجديدة التي تنتقص من ثوابت الوحدة والديمقراطية لن يكون سوى الخيبة والسقوط الذريع. ومن المفارقات المدهشة أن ينبري البعض دون حياء أو خجل للترويج لمصطلحات لا تخلو من التفخيخ والمفاهيم الملتوية واستغفال عقول الناس، وكأن هذا الشعب لا يمتلك وعياً يمكنه من استيعاب ذلك الطرح الذي يسعى إلى استغلال مناخات الحوار للتسلل إلى قضايا هي في حكم الثابت الأصيل الذي لا هم ولا غيرهم بمقدورهم المساس بها، ومثل هذه الدعوات البائسة التي تحاول الانتقاص من ثوابتنا أو أي منها يجب التنبه لها وكشف مرامي ونوايا أصحابها وفضحهم حتى يعي هؤلاء أن الثوابت الوطنية ليست عريضة يمكن أن يصيغوها كما يشاءون ووفق ما تمليه أهواؤهم ورغباتهم ومصالحهم ومطامعهم، بل إنها ثوابت نابعة من ضمير هذا الشعب الذي قدم الغالي والنفيس من أجل أن يصل إليها، ولن يسمح أبداً لأية هرطقات بأن تنال منها بالقول أو الفعل، ومن يعتقد غير ذلك عليه أن يقرأ التاريخ برؤية تحليلية وليس برؤية التمني والوهم الزائف والخائب.