لم أستطع إخفاء دهشتي وأنا اشاهد من نافذة الطائرة التي بدأت تهبط تدريجياً في مطار مسقط الدولي، معالم النهضة العمرانية الواسعة التي شهدتها سلطنة عمان خلال السنوات الماضية. لقد أصبح كل شيء متغيراً في العاصمة مسقط منذ زيارتي السابقة لها قبل سنوات، اللون الأبيض هو الغالب، تكتسي به كل البنايات الحديثة والعالية، عشرات الجسور شيُدت في انحاء من المدنية لتسهيل حركة المرور وانسياب السيارات والمركبات.. مساحات واسعة من الخضرة الزاهية، والشوارع تزدان بأعلام السلطنة احتفاءً بالعيد الوطني الأربعين. كانت أول زيارة لي إلى سلطنة عمان في سبعينيات القرن الماضي، بعد سنوات قليلة من تولًّي السلطان قابوس بن سعيد مقاليد الحكم. كانت السلطنة حينها بدأت خطواتها الأولى على طريق النهضة، فلم يكن هناك مايشير الى تنمية حقيقية أو بنية تحتية متكاملة كماهو عليه الحال اليوم، فلا وجود للطرقات المعبدة التي باتت تربط بين الولايات والمدن العمانية، ولا وجود للمدارس التي ربما كانت محصورة فقط في المدن الرئيسية، وكذا الأمر بالنسبة للمستشفيات والمراكز الصحية التي تنتشر اليوم في كل الولايات. لقد كان الهم الأول للسلطان قابوس، هو الانسان العماني، ولذلك اهتم ببناء الانسان حتى يتمكن من أداء دوره والمساهمة في مسيرة البناء والتنمية التي بدأها قابوس من الصفر، لكنه استطاع بعد سنوات قليلة من تحقيق مايشبه المعجزة الحقيقية في تأسيس دولة عصرية حديثة بكل ماتحمله الكلمة من معانٍ. لقد أحرزت سلطنة عمان خلال هذه السنوات منذ سبعينيات القرن الماضي وحتى الآن تطوراً مذهلاً وغير مسبوق جعلها تبدو كواحدة من اكثر الدول في المنطقة حداثة، ليس على مستوى العاصمة مسقط والمدن الرئيسية فحسب، بل شمل ذلك كل ولاياتها التي أضحى المواطنون فيها يتمتعون بكل متطلبات الحياة. لقد سعدنا خلال الزيارة التي شاركنا فيها الشعب العماني الشقيق أفراحه بالعيد الوطني الأربعين بلقاء عدد من المسؤولين في سلطنة عمان منهم معالي يوسف بن علوي وزير الشؤون الخارجية ومعالي الاستاذ عبدالعزيز الرواس مستشار السلطان قابوس للشؤون الثقافية ومعالي حمد بن محمد الراشدي وزير الاعلام. خلال تلك اللقاءات تركز الحديث حول العلاقات بين اليمن وسلطنة عمان والروابط التاريخية التي تجمع بين البلدين الشقيقين وماتشهده من تنام وتطور مستمرين في كافة المجالات.. وماتحظى به من دعم ورعاية من قيادتي البلدين ممثلة بفخامة الرئيس علي عبدالله صالح رئيس الجمهورية وأخيه السلطان قابوس بن سعيد سلطان عمان، وتطرق الحديث الى النجاح الذي حققته اليمن في استضافة دورة كأس الخليج العربي في دورتها العشرين بالرغم من كل ماصاحب تلك الاستضافة من محاولات للتشكيك في قدرة اليمن على ذلك خاصة في ظل ماصورته بعض وسائل الاعلام من تهويل أدخل الفزع في نفوس بعض الاشقاء في دول مجلس التعاون الخليجي. غير أن ما اتفق عليه الجميع في تلك اللقاءات هو ان اليمن راهنت على النجاح واستطاعت تحقيقه فعلاً. من خلال أحاديث المسؤولين الثلاثة، كنّا نلمس مدى مايشعرون به من فخر واعتزاز بما حققته سلطنة عمان خلال سنوات النهضة المباركة مرجعين الفضل في ذلك بعد الله سبحانه وتعالى الى السلطان قابوس بن سعيد الذي بمايمتلكه من رؤية ثاقبة ومايتمتع به من حكمة في بناء دولة حديثة ومتطورة بالفعل، فقد كان بناء عمان هو همه الأول منذ توليه السلطة في العام 1970، ولم يدخر جهداً في ذلك، بدأ بالانسان، وتعليمه ثم وفر له كل مايحتاجه، ثم أشركه في عملية البناء والتنمية من خلال مجلس الشورى العماني الذي بدأ منذ سنوات بالتعيين ثم انتهى اخيراً بالانتخاب الذي تتاح فيه الفرصة للمرأة جنباً الى جنب مع أخيها الرجل ليس فقط للانتخاب بل للترشيح ايضاً. أنها مسيرة حافلة بالعطاء هذه التي يقودها السلطان قابوس ومن خلفه شعبه الوفي في صورة رائعة من صور التلاحم الفريد بين الطرفين- القائد والشعب- ولذا، فإن هذه المسيرة حتماً ستصل الى مايصبو اليه السلطان قابوس والشعب العماني الشقيق.