هل يعود الفلسطينيون والاسرائيليون الى المفاوضات المباشرة، على الرغم من الرفض المسبق الذي يبدر عن بيبي نتانياهو لايّ تسوية من اي نوع كان؟ يبدو ان ذلك وارد في المدى المنظور على الرغم من ان الجانب الفلسطيني مقتنع بان رئيس الوزراء الاسرائيلي مهتم بامر واحد يتمثل بتكريس الاحتلال. لماذا يمكن افتراض احتمال عودة الفلسطينيين الى المفاوضات المباشرة على الرغم من انهم يعرفون جيدا ان كلّ ما يريده نتانياهو هو ممارسة لعبة التفاوض من اجل التفاوض ليس الاّ؟ يمكن ان يعود الفلسطينيون الى المفاوضات المباشرة لقاء ثمن ما. هذا الثمن سيدفعه الاميركي وليس الاسرائيلي، او هكذا يفترض. يندرج الثمن في سياق لعبة الاستفادة من الوقت الضائع، الذي يمكن ان يستمر سنوات عدة. لماذا لا تكون استفادة فلسطينية من الوقت الضائع لتحقيق مكاسب محددة على الصعيد السياسي وتسجيل نقاط على اسرائيل بدل الاستسلام للامر الواقع الذي تسعى الى فرضه عن طريق التمسك بالاستيطان، اي الاحتلال، الذي يشكل الخطر الاكبر على عملية السلام؟ في حال حصول الجانب الفلسطيني، ممثلاً بالسلطة الوطنية، على ضمانات معينة من الادارة الاميركية، وهو أمر وارد، سيتوجب عليه الذهاب الى المفاوضات المباشرة اذا اصرّت واشنطن على ذلك. ليس في استطاعة الجانب الفلسطيني الدخول في مواجهة مع واشنطن او حتى قطع الجسور معها نظرا الى ان ذلك هدف اسرائيلي بحدّ ذاته. السؤال ما نوع الضمانات التي يمكن ان تحصل عليها السلطة الوطنية؟ الجواب ان ثمة حاجة الى بيان علني يصدر عن ادارة الرئيس باراك اوباما يشدد مجددا على ما سبق واكدته ادارة بوش الابن عن طريق وزيرة الخارجية كوندوليزا رايس. حددت رايس رداً على استفسار فلسطيني "الاراضي المحتلة" التي على اسرائيل الانسحاب منها بانها الضفة الغربية التي احتلت في العام 1967 وهي تشمل بالطبع القدس الشرقية والبحر الميت وما يسمى بالانكليزية "نو مانز لاند"... بالطبع، يمكن حصول تبادل للاراضي بين الجانبين في ضوء حاجة الجانب الفلسطيني والدولة المستقلة الى رابط بين الضفة وغزة. وهذا الرابط لم يكن موجودا في العام 1967 لدى احتلال اسرائيل المنطقتين اللتين كانتا تحت السيادتين الاردنية والمصرية. مثل هذه الضمانة الصادرة عن الولاياتالمتحدة ستكرس وجود مرجعية للمفاوضات اسمها حدود العام 1967 وقرارات الشرعية الدولية. وهذا ما ترفضه اسرائيل حتى الآن. اضافة الى ذلك، ستكون هناك حاجة فلسطينية الى ضمانة من نوع آخر في شأن الاجراءات الامنية في مرحلة ما بعد قيام الدولة الفلسطينية. بكلام اوضح، يريد الجانب الفلسطيني ان تكون هناك اجراءات امنية تنص صراحة على عدم وجود اي جندي او عنصر امن اسرائيلي في الاراضي الفلسطينية لدى قيام الدولة المستقلة يوما ما. اين الخطأ في تقديم الادارة الاميركية ضمانة من هذا النوع يحتفظ بها الجانب الفلسطيني في جعبته حتى اليوم الذي تقرر فيه اسرائيل الدخول في مفاوضات جدية تؤدي الى قيام دولة فلسطينية "قابلة للحياة" وليس مجرد كيان مسخ يحلم به نتانياهو؟ من تابع عن كثب تطور عملية السلام والمفاوضات في المنطقة منذ السبعينات من القرن الماضي، يعرف انه لا يمكن التوصل الى اي اتفاق جدي من دون دور اميركي فاعل. حتى اتفاق اوسلو، بحسناته وسيئاته، وقد جاء نتيجة مفاوضات سرية بين الاسرائيليين والفلسطينيين، جرى توقيعه في نهاية المطاف في حديقة البيت الابيض بحضور الرئيس الاميركي بيل كلينتون. ادى الاتفاق الى تمكين الفلسطينيين، للمرة الاولى في التاريخ الحديث، من المباشرة في بناء مؤسسات لدولتهم على ارضهم قبل ان يرتكبوا خطأ عسكرة الانتفاضة في العام 2000م فدمّروا كل الانجازات التي تحققت منذ قيام السلطة الوطنية الفلسطينية في العام 1993.سقط الفلسطينيون في تلك المرحلة في فخ ارييل شارون الذي وقف منذ البداية في وجه اتفاق اوسلو واعتبر انه يسمح بقيام دولة فلسطينية. في الوقت الراهن، يقف الفلسطينيون عند مفترق. اما يواجهون الموقف الاسرائيلي بالشعارات والخطب الرنانة والكلام الفارغ... واما يتابعون تحركهم في اتجاه اقامة مؤسسات لدولة "قابلة للحياة" لا بدّ ان ترى النور يوما. الاكيد ان ذلك ليس ممكنا الا عن طريق المفاوضات ولا شيء غير المفاوضات ولكن على اساس مرجعية واضحة يقبل بها المجتمع الدولي وتدعمها الولاياتالمتحدة... تكمن اهمية ما تحقق فلسطينياً في السنوات الاخيرة في ان رئيس السلطة الوطنية السيد محمود عبّاس (ابو مازن) نجح في تحويل الضفة الغربية الى ارض غير طاردة لاهلها. انها ارض مرحبة بكل فلسطيني يريد العيش على ارض فلسطين وذلك على الرغم من كل ما يفعله الاحتلال من اجل منع الفلسطينيين من العودة. يشرف على عملية بناء المؤسسات رئيس الوزراء الفلسطيني الدكتور سلام فيّاض الذي لا يحتاج الى شهادة في الوطنية والنزاهة من احد. المهمّ حاليا استمرار الرهان الفلسطيني على المستقبل والابتعاد عن كل ما من شانه خدمة حكومة بيبي نتانياهو التي تتذرع بالامن من اجل الحؤول دون قيام الدولة المستقلة فعلا. في النهاية، تبدو الخيارات الفلسطينية محدودة. لا بديل من المفاوضات المستندة الى مرجعية واضحة والتمسك بها، بغض النظر عن الموقف الاسرائيلي، والبناء في الوقت ذاته على الدعم الدولي لقيام الدولة المستقلة. من يدعو الى خيار آخر قائم على استخدام السلاح، انما يدعو الفلسطينيين الى الانتحار. هل هناك خيار سياسي اسمه الانتحار؟