بعد أن سقطت آخر أوراق أحزاب اللقاء المشترك ومني مخططها الذي أطلقت عليه "التصعيد الثوري" بالفشل الذريع، وانقشعت السحب الداكنة التي كانت تحجب الرؤية عن الكثير من الشباب في ساحة الاعتصامات، وتوالت انسحابات هؤلاء الشباب لتشكل ضربة قاصمة لأولئك الذين حاولوا المتاجرة بقضايا الشباب وتطلعاتهم وآمالهم، وبعد أن تهاوت أيضاً تلك الدعوات الاستفزازية التي أراد أصحابها في الأيام الأخيرة استخدام من تبقى من الشباب المعتصمين وقوداً في محرقة جديدة، تكفل لهم تسويق أنفسهم ومشاريعهم وأجندتهم في وسائل الإعلام وكسب تعاطف العالم الخارجي، بعد كل هذا الفشل والإخفاق والخيبة، لم يعد بمقدور تلك الأحزاب تسويق الشعارات التي أصمَّتَ الآذان بها بعد أن استنفدت كل المصطلحات من "سلمية سلمية" إلى "العصيان" ومن "الاعتصام" إلى "الزحف" ومن ثم "التصعيد الثوري". والسؤال الذي يطرح نفسه الآن: هل استفادت أحزاب اللقاء المشترك من هذه الإخفاقات والخيبات ووقفت مع نفسها وقفة جادة تدلها على الأسباب التي كانت وراء مثل هذه الانتكاسات المريرة، وأين يكمن الخلل، هل في طريقة تفكيرها، أم في أسلوب تعاطيها مع القضايا الوطنية، أم في انتهازية من يرسمون توجهاتها ويدفعونها دائماً إلى التغريد خارج السرب..؟. غير أن ما يلوح في الأفق أن هذه الأحزاب قد أدمنت ارتكاب الأخطاء والخطايا إلى درجة صار من الصعب عليها إعادة تقويم نفسها أو امتلاك شجاعة مراجعة الذات والعودة إلى جادة الحق والصواب، وتجنب السقوط في منزلقات جديدة. ولا نجافي الحقيقة حين نقول أن الأزمة التي فرضت نفسها على الوطن ليست سوى أحد إفرازات الأزمة الماحقة التي تعاني منها أحزاب المشترك، التي لم تنفع معها نصائح العقلاء من داخل هذه الأحزاب ومن خارجها، ولا حتى نصائح الأشقاء والأصدقاء، الذين صاروا في حيرة من أمر هذه الأحزاب التي تتحكم فيها عقليات لا تدري ماذا تريد ولا تفقه إلى أين تسير، وإلى أي منحنى تقود اليمن. واستشعاراً لخطورة الأزمة الراهنة وما يترتب على استمرارها من انعكاسات ومنغصات ومتاعب على المواطن اليمني جاء تفويض فخامة الأخ الرئيس علي عبدالله صالح رئيس الجمهورية للجنة العامة للمؤتمر الشعبي العام لبحث آلية تنفيذ المبادرة الخليجية مع أحزاب اللقاء المشترك وسفراء الدول الشقيقة والصديقة التي تسعى إلى مساعدة اليمن على الخروج من أزمتها الراهنة. وهذه الخطوة وحدها توحي بأن هناك من هو حريص، قولاً وعملاً، على إخراج اليمن من هذه الأزمة وتجاوز تداعياتها وتجنيبها الوقوع في أتون الفتن والفوضى المدمرة وأن هناك - في المقابل- من بنى كل رهاناته على تأجيج هذه الأزمة والنفخ في كيرها بعد أن تعززت لديهم القناعة بأن ما رسموه من أهداف للوصول إلى السلطة لن يتحقق إلاّ من خلال أعمال العنف والفوضى وشلالات الدم وإزهاق أرواح الأبرياء والزج بالشباب المرة تلو الأخرى إلى محارق الموت، بعد أن أيقن هؤلاء أن القطيعة التي بينهم وبين الجماهير تحول دون وصولهم إلى السلطة عن طريق صناديق الاقتراع، دونما إدراك أن العنف لن ينتج إلاّ المزيد من الخراب والدمار، وأن الفوضى إذا ما حدثت فإن طوفانها سيجرف الجميع إلى مهاوي الهلاك والضياع. وصدق من قال: لكل داءٍ دواء يستطب به إلا الحماقة أعيت من يداويها