في واحدة من استنتاجاته الأساسية بعد سنوات طويلة من البحث والمتابعة يقول الكاتب الفرنسي «أوليفييه روا» أن مشروع «الإسلام السياسي» في بناء نظام إسلامي جديد قد انتهى إلى الفشل. ويرى أن هذا الفشل يعود أصلا إلى التجربة الإيرانية التي انطلقت لتبني عالما جديدا يتقاطع مع الحداثة الغربية ويناهضها ويقدم المثال المخالف لها وبخاصة في الاقتصاد والمجتمع فكان أن استقرت التجربة الإيرانية عند« الحجاب وفتوى إعدام سلمان رشدي «والكلام دائما للباحث «روا»الذي خرج بهذا الاستنتاج في أوائل التسعينات غير مكترث بصعود «الجبهة الإسلامية للإنقاذ» في الجزائر... وقبل أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001. ويعزو الباحث الفرنسي الفشل الأكبر في المشروع الإسلامي إلى الاقتصاد. معتبرا أن تجربة البنوك الإسلامية في إيران تمخضت عن كارثة اقتصادية وان الإيرانيين عادوا إلى ما يشبه الصيغة المصرفية الغربية وأنهم اعتمدوا أيضا في كافة القطاعات الاقتصادية قواعد الحداثة الغربية العائدة كما يقولون إلى «الشيطان الأكبر» وحلفائه الغربيين من «الشياطين الصغار» . ويظن الباحث الفرنسي أن «الثورة الإسلامية» في إيران تكيفت مع الاقتصاد الحديث إلى حد لا يمكن تمييزها عن أي نظام غربي الملامح باستثناء الحجاب وهو لا يكفي وحده لتبرير الحديث عن نظام إسلامي نموذجي في العالم ومضاد تماما للنظام الغربي والكلام دائما له وهو المختص في شؤون آسيا الوسطى. وقد شاءت الصدف أن اسأل السيد «روا» ذات يوم ماذا لو كان متسرعا في حكمه؟ حيث التيار الإسلامي كان صاعدا وربما الوحيد الذي يرث التيار القومي والتيار الماركسي في العالم العربي؟ فلم يتراجع عن استنتاجه وزاد قائلا: قد يصعد هذا التيار إلى حيث يشاء لكن بمجرد وصوله إلى السلطة سيكون عليه أن يقدم صيغة للحكم وللاقتصاد. وليس لديه حتى الآن غير الصيغة الغربيةوالصيغة الإيرانية التي اشرنا إليها وفي الحالتين قد يعتمد الحجاب وبعض قواعد السلوك الإسلامية إلاانه من حيث الجوهر لن يكون مميزا بصيغة إسلامية للحكم مناقضةأو متقاطعة مع الصيغة الغربية. والظن الغالب أن كتاب روا « فشل الإسلام السياسي« الذي ترجم من بعد إلى العربية لم يرد عليه الإسلاميون بحجج مناقضة على حد علمي وأرجو ألا أكون مخطئا.. وقد تبين أن المد الإسلامي الذي انطلق بقوة في التسعينات لم يصل إلى حيث كان يطمح مريدوه فكانت التجربة الجزائرية الدموية وقبلها التجربة السورية الدموية أيضا ومن بعد التجربة السودانية التي انتهت بفصل الجنوب عن الشمال فيما التجربة الإيرانية تكافح بوسائل قومية وتتكشف عن انجازات تكنولوجية قد يكون الإيمان دافعها المعنوي ولكن ليست من نهج علي شريعتي أو من أطروحات الصدر في «الاقتصاد الإسلامي»خلاصة القول أن الخطاب المذكور يعود لصاحبه «أوليفييه روا» كما يعود لتيار الإسلام السياسي الرد عليه وبالتالي تبيان ما إذا كان لدى الإسلاميين نموذجا صالحا للتطبيق مناقضا للنموذج الغربي في الاقتصاد والديمقراطية وحقوق الإنسان... إلخ وهنا نتحدث عن صيغة ونظام حكم وليس عن فعل إيمان لا يميز الإسلام السياسي وحده وإنما هو عنصر مشترك بين كل المسلمين.ثمة من يقول أن الحديث المتواتر هذه الايام عن تفاهمات مزعومة بين الولاياتالمتحدة وتيار الإسلام السياسي بفئاته غير العنفية يعكس في الواقع ارتدادا عن لإستراتيجية السياسية الإسلامية التي كانت تسعى لهزيمة الإمبراطورية الأمريكية وإقامة نظام الخلافة على الصعيد العالمي. وهذا الارتداد يعني في احد وجوهه القبول بالهرمية الدولية الجديدة والعمل في ظلها وان صح ذلك فان تيار الإسلام السياسي لم يعد بديلا محليا للحكم بل منافسا له في ظل هرمية دولية لا ينازعها احد البقاء والسيطرة. وما يصح على التيار الإسلامي يصح بالقدر نفسه على التيارات الماركسية والإشتراكية.. أما الليبرالية فهي من صلب النظام العالمي السائد. وإذا تجتمع مجمل هذه التيارات في المعارضة العربية وتنافس الحكومات السائدة والمعمرة فإن منافستها تنحصر في الحديث عن الفساد والتوريث والمزيد من التعددية وحرية التعبير والانتخابات الحرة بعبارة أخرى تنحصر منافسة الأحزاب المعارضة في هوامش إصلاحية للحكم السائد كما رأينا في التعديل الدستوري في مصر وتونس وهو ما عبر عنه الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي بوضوح أذ قال: الثوريون العرب لا يريدون إسقاط إسرائيل ولا الغرب ولا أوروبا أنهم يريدون القضاء على الفساد وإيجاد وظائف جديدة والمزيد من الديمقراطية فلماذا لا ندعمهم؟. وهو قد دعم الليبيين بقوات الحلف الاطلسي الجوية وما يزال. ولم يرد الثوريون العرب على الرئيس ساركوزي بما يناقض أقواله كما لم يردوا أيضا على اقوال كاميرون وأوباما المماثلة ما يعني أن الهدف من الثورات القائمة ليس بناء عالم جديد واقتصاد جديد وليس هدفها تحقيق الوحدة العربية وإقامة سوق عربية مشتركة وعملة موحدة وبرلمان عربي واحد منتخب واقتصاد منتج ورفع التعرفة الجمركية وتوحيد المناهج التربويةالعربية واسترجاع الأراضي الفلسطينية المحتلة وسبتة ومليلية ولواء اسكندرون ..الخ أن مجمل ما يريدوه الثوريون هوإصلاح الأنظمة القائمة وتحسين أدائها واستبدال بعض أطقمها بأطقم جديدة من المعارضة التي انتظرت طويلا بل هرمت في انتظار الحكم وكل ذلك يبدو مشروعا لكن شرط ألا يؤدي إلى الانخراط في حرب أهلية قاتلة تطيح بالإصلاح والإصلاحيين وبالحكام والمحكومين. وإذا كان الأمر لا يتصل بثورة حقيقية فلماذايستبعد المعارضون المساومة وبالتالي بلوغ الإصلاح من خلال التوافق بدلامن المغامرات العسكرية التي تطيح بهياكل الدولة وتعيد أهالي البلاد إلى ما يشبه العصر الحجري.. رحم الله ذلك الفيلسوف الذي قال إن بعض الثورات قد تحدث ضررا في عام واحد يحتاج إصلاحه إلى مئات الأعوام.