وحتى المعارضة فهي معارضات تبني ائتلافها على أساس مرحلي، ومع ذلك يظل كل منها أسير أفكاره وايديولوجيته ومعتقداته.. جميع من عارض في مصر وتونس وليبيا واليمن وفي سوريا لم يكن وديا مع معارضات أخرى.. قد لا يجمعهم سوى الموقف من النظام فتراهم على اختلاف أثناء كتابة بيان أو رسم ملامح المرحلة أو التفاهم حول صيغ الحكم وغيره. يظل المعارضون المختلفون على تباين مهما اشتدت بينهم أواصر الصداقة الجديدة أو التحالف المستجد، لا أحد يتنازل عما هي أفكاره الأولى، لكن كل فصيل في تلك المعارضات ينظم أموره على أساس تسلمه السلطة، وحتى الوصول إليها لابد من غزل بين الاختلافات. أحد المعارضة السوريين كتب عن المعارضة السورية بشكل غضوب فيه بعض الاستهزاء حين سماهم " ثوار آخر زمان " .. ربما يفرح الذين انتقدهم لأنه استعمل كلمة ثوار دون أن يضعها بين مزدوجين. من المؤسف أن المعارضة العربية حديثة العهد عاش أكثرها في أوروبا وبعض العالم العربي مدللا مدعوما ماليا إلى أبعد الحدود، وبعدهم كان يبدي نشاطا ملحوظا في استخبارات البلد الذي احتضنه كعربون وفاء او مقابل امتيازات. في ظنون تلك المعارضة ان بامكانها حكم نظام طالما أنها تدعي وقوفها ضد النظام، وأنها تمتلك المؤهلات الفعلية لذلك.. هنا تجدر الاشارة الى أن أصحاب الثورات الكبار قاموا بتصفية بعضهم البعض عندما وصلوا الى مبتغاهم او عندما تمكنوا من ايجاد ارضية مشتركة لهم رغم أنهم على تفاهم وتجمعهم فكرة واحدة وربما أيديولوجيا واحدة، فكيف امام المعارضة التي هي على طريقة من " كل قطر أغنية "، يجمعهم الشعار وحده ولكن بينهم ما صنع الحداد، بل إن اختلافهم في بعض الأحيان يبدو متجذرا وعميقا. ثم إن المعارضين هم بشر في النهاية، أي لهم وجههم الآخر.. يظهرون على الشاشات بكلام عذب ويشعرون الآخرين بمسؤولياتهم وبثقافتهم، لكنهم خلف الكواليس مختلفون تماما، منهم الغضوب، ومنهم العصابي، ومنهم اللامثقف، ومنهم الاستخباراتي، ومنهم .... ومنهم أيضا كبار ومهمون وإن كانوا قلة جدا. المسافات بين المعارضين تظل على حالها حتى عندما يظهرون متآلفين امام جمهور او امام الشاشات الصغيرة.. يبتسمون للكاميرات وللناس وللاعلام كأنما هم ملائكة الرحمة، وان وصفهم أحدهم بان لدى أكثرهم ميلا لممارسة العنف واللاديمقراطية اذا ما استحق الأمر ذلك. الشكل الكوميدي في تلك المعارضة الموجودة خارج بلادها انها منذ ائتلافها تبدأ حزم أمتعتها استعدادا للرحيل معتبرة ان النظام الخصم على انهيار في أي وقت. لكن هذا الكاتب المشار إليه أكمل كتابته بالقول " إنه قد يأتي الوقت الذي يتمنون فيه على النظام الخصم أن يحاورهم فلن يجدوا لديه مكانا لهم".