تحل علينا اليوم مناسبة وطنية عزيزة على كل يمني هي الذكرى ال44 ليوم الاستقلال المجيد ال30 من نوفمبر 1967م، الذي رحل فيه آخر جنود المستعمر من جزء غال من التراب الوطني ليستعيد اليمنيون السيادة الكاملة على أرضهم كاستحقاق طبيعي لمسيرة النضال التي خاضوها من أجل الحرية والكرامة والتخلص من ربقة الكهنوت والاستبداد الإمامي والهيمنة الاستعمارية. وعلى الرغم من مرور 44 عاماً على هذا الانتصار العظيم سيظل اليمنيون يتذكرون جيلاً بعد جيل تلك الملاحم الوطنية التي رسموا من خلالها أهم تحولاتهم في التاريخ المعاصر، وهي التحولات التي غيَّرت مجرى الحياة في هذا البلد ووضعت حداً فاصلاً بين عهدين، عهد استهدف تصغير اليمن وإضعافها وتمزيقها إلى كيانات هشة ومشيخات وسلطنات ومناطق جباية تعاني التصدع والفقر والفاقة والتخلف الشامل، وعهد أعاد الاعتبار لحضارة هذه الأرض وتاريخ أبنائها المجيد وأسقط مشاريع الفرقة والتجزئة وجعل من هذا البلد حرماً آمناً لا يجرؤ أحد على انتهاك سيادته أو النيل من كرامة أبنائه. لقد كان الاستقلال في ال30 من نوفمبر عام 1967م من أعظم تجليات الثورة اليمنية (26 سبتمبر/14 اكتوبر) وانتصاراتها المباركة، حيث تجاوز اليمنيون بهذا الإنجاز تحديات ومخاطر جدية حاولت إجهاض عطاءات نضالهم الطويل والمرير وتضحياتهم الكبيرة التي أرسوا فيها بدمائهم وأرواحهم مداميك الدولة اليمنية الحرة والمستقلة التي وإن كان قد تأخر الإعلان عنها حتى عام 1990م بسبب بعض العوامل الداخلية والخارجية والنزعات الانفصالية المريضة التي عشعشت في عقول بعض الثعالب من مخلفات الإمامة والاستعمار، فإن كل الغايات ظلت مكرسة من أجل الإعلان رسمياً عن هذه الدولة الفتية ورفع علمها خفاقاً في السماء، وهو ما تحقق بالفعل في صبيحة ال22 من مايو 1990م. وإذا كنا قد أنجزنا الكثير من تطلعاتنا وطموحاتنا فإننا بالقدر نفسه واجهنا الكثير من الصعاب والتحديات والمؤامرات والبلايا العظام، وقد استطعنا بالصبر والحكمة والأناة ووحدة الجبهة الداخلية أن نتجاوز كل تلك التحديات مدركين أن كل ضربة لا تقصم الظهر تقويه وتزيده قوة على قوة. وهاهي الذكرى ال44 للاستقلال المجيد تحل علينا هذا العام في ظروف غاية في التعقيد تقتضي من كل اليمنيين أحزاباً ومنظمات أفراداً وجماعات، سلطة ومعارضة أن يترفعوا عن كل الصغائر حتى يتمكنوا من تجاوز مؤثرات الأزمة الراهنة وتداعياتها وانعكاساتها السلبية وأن يخرجوا وطنهم من عنق الزجاجة ليثبتوا للعالم وكل أشقائهم وأصدقائهم الذين باركوا اتفاقهم وتوقيعهم على المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية أن ما يختزنونه من الحكمة والوعي يجعلهم قادرين على إسقاط كل المراهنات التي أراد من خلالها البعض الانزلاق بهذا البلد إلى مهاوي العنف والفوضى والفتن المستعرة الكفيلة بإغراق السفينة وكل من فيها. إننا بحاجة اليوم أن نبرهن للجميع على أننا بحق شعب الحكمة والإيمان وأننا حتى وإن اختلفنا فإننا سرعان ما نتصالح ونتناسى آلامنا وجراحنا، ألَسْناَ من قال فيهم نبي الأمة محمد بن عبدالله عليه أفضل الصلاة والتسليم "أتاكم أهل اليمن هم أرق قلوباً وألين أفئدة.. الإيمان يمان والحكمة يمانية. ولنعلم علم اليقين بأننا أمام محطة فاصلة وعلينا الابتعاد عن الخطاب السياسي والإعلامي الذي يتسم بالمجابهة والانفعال والمكايدة والمناكفة، لنمضي معاً في إعادة تطبيع الأوضاع في مناخات من الثقة والتفاهم والشراكة البناءة، لأن ذلك هو الطريق الأنسب والأصلح والأنفع لصيانة مقدرات اليمن ومكاسبه ووحدته وتأمين الحاضر والمستقبل الآمن لنا ولأجيالنا القادمة. وصدق القائل:
"على قدر أهل العزم تأتي العزائم وتأتي على قدر الكرام المكارم وتعظم في عين الصغير صغارها وتصغر في عين العظيم العظائم"