من حميد الخصال، التعاطف مع ذوي الحاجة, ومن تستدعي ظروفهم معاملتهم بصورة خاصة، ويفقد هذا التعاطف قيمته الايجابية، عندما يتحول إلى تدليل يدفع بمن شمله التعاطف الى الاضرار بنفسه والحاق الضرر بالآخرين.. ويصدق المثل الشعبي «اترك فعل الخير ما ترى شر». بهذه الاسطر نمهد للحديث عن النعوش المتجولة.. وبواعث السموم الطائرة، ودقاقات الرقاب، وغيرها من الصفات التي تنعت لا الدراجات النارية في بلادنا.. التي تسبب في نسبة عالية جداً من الحوادث المرورية، كما تفيد الاحصائيات المخفية للإدارة العامة للمرور، وجعل بعض المستشفيات الحكومية والأهلية تفكر في استحداث قسم جديد ضمن أقسامها يسمى «قسم المترات» أو الدراجات النارية. تلكم الدراجات دخلت بلادنا قبل قيام الثورة اليمنية (سبتمبر وأكتوبر) كوسيلة نقل خاصة وعلى نطاق محدود، ولكنها سرعان ما أخذت في التنامي وتدخل في إطار الهروب من البطالة، والبحث عن فرص عمل شريفة، وبدأت تستخدم كوسائل نقل أجرة مما دفع بالجهات المعنية ان تقبل الامر الواقع، وتتفرد بلادنا عن بقية الدول العربية، بدراجات نارية تعمل كوسائل نقل أجرة، وتم التوصل حينها أى منذ اواخر ستينات القرن الماضي الى ان تدخل تلكم الدراجات بطريقة قانونية وان تجمرك وترقم بلوحات أجرة.. ورخص قيادة تحدد ذلك، وتلزم العاملين عليها بنظام حركة السير، وهذا ما عرفناه حتى ثمانينات القرن الماضي حيث كانت حملات أسبوع المرور تشمل الدراجات النارية كبقية المركبات ويتم التأكد من تجديد رخص قيادتها وكروتها ودفعها للضريبة- قبل ان تضاف على الوقود- وكانت أي دراجة نارية- خاصة أو أجرة- يخالف النظام المروري بعكس الخط وكسر الاشارة أو التجاوز الخاطئ يتم ايقافها واصطحاب سائقها الى ادارة المرور.. كل هذا اختفى وسار مما يروى للأنباء وتحت ذريعة الفقر توفير فرص عمل، وتشغيل أكبر عدد من الشباب العاطلين، وغير ذلك من المبررات، اتسعت رقعة الدراجات النارية، وسقطت الرقابة على دخولها البلاد ورسومها الجمركية واختفت ارقامها تماماً، وتطور الامر الى ان صارت الدراجة النارية المخصصة لسائقها، وراكب واحد تحمل راكبين وثلاثة، ولا تتقيد بأي قاعدة من قواعد المرور، بما فيها كسر أو عدم الالتزام باجراءات السلامة كالإشارة الضوئية وعكس الخط...الخ، والقفز على الأرصفة والتجاوز بأي طريقة كانت..الخ، ونتيجة لذلك صارت الدراجات النارية تستخدم في اعمال التفجيرات، كما حدث في صعدة وجرائم الاغتيالات، وتهريب الممنوعات، وخطف حقائب النساء، وجنابي الرجال، وتسبب في أكبر نسبة من الحوادث المرورية التي يكون ضحاياها من سائقي ومستأجري تلكم الدراجات، ولا يتعامل معها رجال المرور إلا بمفهوم من رفع عنه القلم.. نعرف ان كل ذلك حدث جراء التعاطف مع من لجأوا اليها للبحث عن عمل ومكافحة الفقر والبطالة، ولكن هل هذا التعاطف يبرر ما يحدث من الدراجات النارية، التي لا تجمرك ولا ترقم، ولا يعرف مالكها ان تسببت في أي عمل إرهابي- وهل يبرر ذلكم التعاطف تعريض سائقيها ومستخدميها لمخاطر الحوادث المرورية المخيفة، وكأنَّ حياة سائق الدراجة النارية لا تستحق حمايتها بنظم قواعد المرور، أي خير ارادوه لهم فما حصدوا غير الشر في أبشع صوره هنا لا تدعو الى قطع ارزاقهم، او الحاق الاذى بهم، ولكن ان يتم التعامل معهم بما يعكس الحرص على سلامتهم وسلامة المتضررين من تهورهم وازعاجهم ودخان دراجاتهم واخضاعهم لقواعد النظم المرورية.