هل نحن على أبواب ربيع جديد، يؤدي الى ربيعات لا تنتهي، هذا ما يقوله المشهد الراهن في مصر العربية، وإلى حد ما في تونس وهما البلدان اللذان اعتقدنا جميعاً بأن ربيعهما قد أكمل مهمته وبدأ البلدان في بناء الدولة الديمقراطية الجديدة الخالية من القمع والديكتاتوريات المؤبدة؟ سؤال طويل تحتاج الإجابة عليه الى قراءة عميقة وممعنة في الواقع الراهن لكل من مصر وتونس بالاضافة الى قراءة الاحوال في أقطار عربية أخرى لم تزهر فيها ورود الربيع العربي الذي تفاءلنا به وانتظرناه كثيراً بعد شتاءات طويلة ومريرة، وكان موضع أحلام المفكرين وأحلام الشعراء بما سيقدمه للوطن العربي من خطوات على طريق الوحدة والتضامن والخروج من دوائر الهيمنة الخارجية. وأود أن يتنبه القارئ الى أن الإشارات السابقة لا تحمل في طياتها أدنى قدر من التشاؤم أو الشعور بأن الربيع العربي في طريقة الى أن يتحول الى شتاء شديد البرودة فما يزال الأمل أقوى من كل ما يقوم على سطح الواقع من انكسارات وتصادمات بين شباب الربيع العربي وشيوخه من ناحية، وبين المتصارعين على الغنائم والاستئثار بالنصيب الأكبر أو بالنصيب كله.. لقد نجح الربيع العربي في عام 2011م في أن يرج الواقع وينقل الوطن العربي من حال الى حال، وأن يسهم في رفع مستوى الوعي السياسي ويقود قطاعات من الكتل الصامتة الى الشارع ويجعلها لأول مرة تسهم في صنع التغيير بعد أن ظلت قروناً في زوايا النسيان تقبل باستسلام كل نظام يفرض نفسه عليها وعلى البلاد. ومن هذه الايجابية الوحيدة والمهمة ينطلق الموقف ويستمر في تغذية الأمل، وانطلاقاً من ان البداية المدهشة ستؤدي حتماً ولو بعد حين الى نتيجة مدهشة تكون في صالح هذه الأمة وفي إيجاد قيادات حقيقية تتحسس آلام الناس وتتعامل مع أحلامهم وتتيح لهم الفرصة للمشاركة في الحكم وفي المساهمة في التغيير.. وفي حال وجدت الأجيال الثائرة أن الأوضاع تستدعي أن يتجاوز الناس الربيع الأول الى الربيع الثاني أو الثالث فلا يوجد ما يمنع من تكرار المواسم ولكن وفق شروط وفي مقدمتها الالتزام بالسلمية واللاعنف، والمحافظة على الأملاك العامة والخاصة وتجنب كل ما يؤدي الى سفك نقطة دم واحدة، فالدماء التي تم سفكها في الوطن العربي خلال القرن العشرين وحتى الآن في حروب ومعارك شيطانية تقوم بين الأخ وأخيه، كانت تكفي - لو أنها في مواجهة العدو - لتسقي ورود الحرية والتطور لعشرات القرون. إن الوطن وأقصد به الوطن العربي من الماء الى الماء أمانة في أعناق كل المواطنين الذين يعيشون فوق ترابه وينعمون أو حتى لا ينعمون بخيراته، وبقاؤه خارج التاريخ الحديث، حريةً وإبداعاً وصناعة، أصبح عاراً لا يطاق، وصفعه على وجه كل فرد من أبنائه والقادرين منهم على وجه الخصوص.. وهناك حقيقة ثابتة تتجاهلها الأغلبية من المثقفين فضلاً عن عامة الناس وهي أنه من المستحيل على قطر عربي أن يحقق منفرداً وفي معزل عن أشقائه أية خطوة في التقدم، فالوطن العربي كالجسد الواحد إذا تألم فيه قطر تألمت سائر الأقطار، وقد أثبتت العقود الماضية من الزمن استحالة ان يتطور جزء أو أجزاء من هذا الوطن، ويبقى جزء أو أجزاء خارج سياق هذا التطور المنشود، والأمثلة على ذلك عديدة من مصر الى الجزائر الى العراق، وما كانت قد شهدته هذه الأقطار في فترات متقاربة من تنمية وتطور مدهش في كثير من المجالات.