في بداية الأمر أو الظاهرة أعدنا السبب الى ازدهار تجارة سلعة القات التي اخذت منذ منتصف سبعينات القرن الماضي تدر أموالاً كثيرة على شريحة من المزارعين هم مزارعو القات، وهم من لفت الانظار إلى سفريات العلاج في الخارج وتحديداً إلى المانيا- الغربية حينها- وإلى جمهورية مصر العربية وكذلك بريطانيا.. تلك الظاهرة- المستمرة المتنامية إلى يومنا- كنا نعيدها إلى عوامل في مقدمتها سيولة زراعة القات، استناداً إلى غالبية من كانوا يذهبون للعلاج وبحوزة كل منهم الآلاف من العملات الاجنبية التي لم تكن بهذا الارتفاع أمام الريال اليمني، حيث كان سعر الدولار لا يزيد عن أربعة ريالات ونصف.. وكيف كان أولئك البسطاء من المزارعين يتعرضون للكثير من النصب والمشاكل والاحتيال.. واتذكر- بالمناسبة- ان رئيس الوزراء الاستاذ عبدالعزيز عبدالغني- رحمه الله- قد استدعى بعض الاعلاميين للاجتماع ومناقشة الأمر والتوعية بكيفية السفر للعلاج في الخارج، وكنت أحد المدعوين للاجتماع لكتابتي برنامجاً يومياً بعنوان (حديث الناس).. هكذا بدأت العملية كما اسلفت.. إلا انها أخذت شكل الظاهرة المستمرة المتنامية الآخذة في الاتساع الى ان صار هناك ما يشبه الموضة أو مواسم في اختيار الدول التي تتجه إليها موجات العلاج.. من المانيا إلى مصر إلى بريطانيا فالهند ثم الأردن والعراق- رغم الحصار الذي كان- منذ منتصف السبعينات إلى يومنا والعملية في تزايد وتنامٍ ولا مبالغة ان قلنا ان منشآت طبية أردنية كبيرة قد أنشئت أو توسعت من أجل مرضى اليمن وانفاقاتهم.. وما علينا اليوم إلا ان ننظر إلى الرحلات الجوية بين اليمن والأردن واليمن ومصر وكيف يطلق على الطائرة اليمنية، طائرة العيانين. بعد هذه العقود من السنين تتكشف أسباب أخرى لسفريات اليمنيين طلباً للعلاج في الخارج، وكيف وصلت المبالغ التي تنفق في هذا المجال إلى قرابة المليار دولار سنوياً.. وهو مبلغ لو انفق على العلاج في الداخل لأوجد منشآت طبية كبيرة وممتازة. مما تكشف من الاسباب ما يتصدرها ويتمثل في غياب وفقدان الثقة في الطبيب اليمني، أو في الاستطباب في اليمن (من الفني والممرض الى الطبيب والمنشآة ...إلخ). المريض في اليمن فاقد للثقة في الطب وعناصره في بلده ولهذا يتجه الى الخارج وان باع من ممتلكاته ماهو عزيز عليه.. وما هو نفيس. وقبل أن نتساءل قائلين: من سيعيد الى اليمني ثقته بالخدمات الطبية في بلده نتساءل قائلين: من تسبب أو ما الأسباب المؤدية الى فقدان الثقة هذه؟!! سؤالان قد لا نعرف كامل الإجابة عليهما وان توفرت لدينا بعض المعلومات والشواهد، ولهذا نترك الإجابة العلمية المتكاملة للجهات المختصة، القادرة على دراسة الظاهرة واستقصائها والتوصل الى خلاصة توصي بها أو تجعل منها مدخلاً وقاعدة لما تدعو إليه الحكومة كي تعيد الثقة الى اليمني بالخدمات الطبية في بلده لما لذلك من أبعاد اجتماعية واقتصادية وعلمية. أنها ثقة يجب ان تستعاد مالم فلا جدوى من أية منشآة طبية تقام وإن كانت مدناً طبية كبيرة، ومن الشواهد على ذلك ان المستشفيات والمرافق الطبية التي تنشأ ويطلق عليها أسماء الدول التي نقصدها للاستطباب لم تغير من الاشياء رغم الرواد الذين يقصدونها، ويشكون منها ومن تكاليفها المجحفة، دعوة نتوجه بها لإعادة الثقة في الخدمات الطبية في اليمن الى ابناء اليمن.