في مواجهة الشعور بالهزيمة أو الفشل في إتباع التكتيكات الصحيحة التي بمقدورها تأمين الوصول الى غايات استراتيجية محددة سلفاً، تميل بعض القوى أو الجماعات الحزبية أو المستقلة أو حتى بعض الهيئات والمنظمات العامة، إلى الإحباط، والتموضع في ذات المكان والزمان بل وحتى السياسات والوسائل التي قادت الى الهزيمة وكثيراً ما يطول أمد هذا التموضع اليائس أو يستغرق الإعداد لجولة أخرى وقت مبالغ فيه، الأمر الذي يفضي الى نشوء حالة احتقان تفتح الباب واسعاً لحركة نشطة له تجعل من نشاط حركات الانشقاقات والاختراقات والتشرذم الانفعالي أموراً مفروغاً منها.. وهذه الحالة المرضية التي لازمت بعض القوى السياسية أو الاجتماعية على الصعيدين العربي والوطني، وشكلت حضوراً مكثفاً في ذروة هيمنة الأنظمة الشمولية والقائمة على أساس الشرعية الثورية.. منذ مطلع خمسينات القرن الماضي كانت معوقاً حقيقياً ومباشراً حال دون تقدم الحركات الديمقراطية والداعية الى إرساء قيم العدالة والمساواة وبناء دولة المؤسسات وحتم تخلف هذه المجموعات والهيئات السياسية عن أهدافها المعلنة.. وذلك كله لا يضفي حقيقة أن تلك الحركات كانت قد أشاعت بين صفوفها من النقد والنقد الذاتي الذي دأبت على رفع سياطه عالياً ومارست جلد ذاتها وموضوعها.. وتتحدث التناولات السياسية في عرضها الانتكاسات بعض القوى السياسية على المستوى العربي. إن ردود فعل قياداتها وقواعدها كانت تنكب على ما يمكن اعتباره مراجعة شاملة لأسباب إخفاقاتها ولم يكن بوسع إجراءات المعتقلات الحيلولة دون تسرب بعض التعاميم والدراسات النقدية وبعض الرؤى والموضوعات النقدية والارشادية ووجهات النظر التي يسهم بها بعض الأشقاء والأصدقاء من المفكرين والهيئات القيادية كواجهات سياسية وتنظيمية حليفة. لقد انعكست تلك الجهود والحوافز المعنوية كماً تراكمياً للخبرات والمساعدة على القراءة المتأنية والسليمة للواقع وللظروف، وبالتالي الأسباب التي قادت الى الأداء السلبي وانكسار الإرادة لكنها لم تكن كافية لاستكمال الشروط الذاتية الضرورية القادرة على تدشين الفعل مجدداً والتحرر من عقدة اليأس. «يمكن ذكر أمثلة الأخوان في مصر واليساريين، كذلك الشيوعية السودانيين والاشتراكي بعد حرب 94م علماً أن الحراك مستقل بنسبة قليلة من الاشتراكي/ الناصريين الانقلابيين. وفي موزاة ذلك أو بالأصح على النقيض منه تماماً تبادر قوى وجماعات وأحياناً إئتلافات لقوى ذات تباين سياسي أو فكري تبادر بمحاولات كسر حاجز الخوف والهجوم الجريء والمباشر على ثوابت ومسلمات كانت قد رُسخت في الوعي باعتبارها نواميس حياة يرقى المساس ببعض منها الى مستوى الخيانة العظمى، بينما هي اجتهادات آدمية وضعية تخدم وجهة سياسية أو فكرية بعينها، ولا تزيد محاولات تأييدها أو إعطائها صفة الخلود، عن كونها محاولة غير مشروعة لتأبيد بقاء واضعيها والمستفيدين منها والقائمين عليها.. بالمعنى الذي يفهم منه احتكار الاجتهاد أو تقنين تداوله في الحدود التي لا تلحق الضرر بالثوابت المقننة، الأمر الذي يعني مصادرة الحرية الانسانية والفطرة التي فطر عليها، ويلغي ملكة العقل الانساني وما ينطوي عليه من قدرات هائلة للتفكير والاجتهاد. إن هذا الظلم الفاضح الذي يماهي بين ما هو منزل من السماء ومقدس وبين ما هو اجتهاد إنساني يحتمل الخطأ ويتاح الخوض فيه، وتتعدد مصادره وروافده وتتنوع وجهات النظر بصدد كل ما يتم الاجتهاد فيه ومن شأن كل هذه المعمعة الاجتهادية الرؤية النوعية المصاغة من تعددية الرؤى والأفكار. قلنا إن التحجر وإغلاق كل المنافذ والطرق في وجه كل محاولة جادة للتبشير بضرورة التواصل مع دعوات التغيير والحوار مع الافكار والاجتهادات التي تكونت نتيجة القراءة الموضوعية للواقع والاستيعاب العقلاني لمجموع الضرورات التي تحتم الخوف المباشر لعمليات التغيير استباقاً لمؤشرات كارثية ناجمة عن ردود فعل شاملة، وتحلل من كل هدنة طال أمدها مع أوضاع وظروف لم تعد ممكنة الاحتمال ...الخ.. أدى الى التعنت في الموقف من قضية التغيير والعجز الرسمي عن استيعاب ما يشهده المجتمع من فرز ومن اصطفافات غير تقليدية والتخلف عن مواكبة المستجدات التي يتواتر بروزها الطارئ على أكثر من صعيد، كان قد أضعف فرص الحوار والخوض في أمور التسوية السياسية وامتصاص الغضب العارم، وأصبحت أرضية حوار الطرف الآخر أكثر صلابة.. وباتت قضية الدعوة الى اسقاط النظام بكل ثوابته ومنظومته العامة هي الهدف المركزي لحركة الاحتجاجات التي تجاوزت قواها الاساسية اختلاف وتباين جذورها التاريخية وأهدافها العامة ومبادئها السياسية الخ... والتقت حول هدف اسقاط النظام كهدف مرحلي أو استراتيجي وفر مجالاً خصباً لوفرة المبادرات والاجتهادات من مختلف القوى السياسية والاجتماعية التي تصب جميعها حول مضمون الوسائل والتكتيكات الهادفة الى إنجاز الهدف الاستراتيجي المركزي لها جميعاً.