ربما يكون هذا الحوار الصحفي هو الأول مع الأستاذ صالح علي الصماد مستشار رئيس الجمهورية منذ تعيينه في 24 سبتمبر الماضي وفقا لاتفاق السلم والشراكة الذي وقعته الأحزاب والقوى السياسية اليمنية في الحادي والعشرين من نفس الشهر، أو هو كذلك بالنسبة لصحيفة «26سبتمبر». حاولنا من خلال الحوار قراءة أفكار الرجل كقيادي في أنصار الله ومستشار للرئيس في ذات الوقت ، ومعرفة رؤيته للمشهد الراهن في اليمن والتحديات التي تواجهها البلاد، بالإضافة إلى استمرار أنصار الله في السيطرة على المدن والمحافظات .. طرحنا على الصماد عديد من الأسئلة الشائكة ، لكننا اكتشفنا مدى ما يتمتع به من حصافة ودبلوماسية من خلال إجاباته عليها . يرى المستشار صالح الصماد أن اتفاق السلم والشراكة خارطة طريق لإخراج اليمن إلى بر الأمان بما اشتمل عليه من مضامين منها تنفيذ مخرجات الحوار الوطني ، كما يرى أن الظروف باتت مهيأة بشكل كبير في المرحلة الراهنة لإصلاح الوضع الاقتصادي والأمني والسياسي وإعادة هيبة الدولة ..ويؤكد أن أنصار الله من خلال سيطرتهم على بعض المؤسسات والوزارات ليس لهم أية مطالب شخصية ولا يسعون إلى فرض مطالبهم ، وكل ما ينشدوه هو الحفاظ على مؤسسات الدولة التي ينخرها الفساد والنهب للمال العام وعدم السماح لبعض الأطراف للقضاء على ما تبقى من مؤسسات الدولة وأنصار الله متواجدون.. معتبراً أن من يصيحون بالرفض لتلك الإجراءات هم المتضررون من الرقابة..وفيما يتعلق بنزع وتسليم الأسلحة وفقا لاتفاق السلم والشراكة.. يؤكد أن الدولة التي ستبنى بالشراكة ومخرجات الحوار الوطني هي الدولة التي ستوفر الحماية لجميع أبناء الشعب، وبذلك لن يكون هناك فائدة لحمل السلاح ما دام وهناك دولة تحمي الجميع.. في شأن آخر يستبعد المستشار الصماد إجراء الانتخابات العامة والرئاسية في موعدها مطلع العام المقبل لاعتبار أن أمام الحكومة التزامات كثيرة تحول دون ذلك. ويعتبر أن القضية الجنوبية هي قضية كل اليمنيين وأن الإخوة في الجنوب بحاجة تكاتف الجهود لحل قضيتهم العادلة خاصة وأن تراكمات الماضي أدت إلى حالة من الاحتقان في أوساط الشعب وبالأخص في الجنوب. وفيما يلي نص الحوار:
بداية، أشكركم على استجابتكم لإجراء هذا الحوار وأسألك: كيف تم اختياركم مستشاراً للرئيس؟ أتقدم بالشكر للإخوة في صحيفة «26سبتمبر» ونأمل أن يكون التعاطي الإعلامي في المرحلة الحالية بمستوى التحديات التي يمر بها شعبنا اليمني وذلك من خلال تعزيز دور التلاحم الوطني والوحدة ونشر ثقافة الاعتصام والتوحد وحمل الهم الوطني قبل الهم الشخصي والحزبي. وبالنسبة لاختياري مستشاراً للرئيس، فهو أتى ضمن بنود اتفاق السلم والشراكة الذي قضى بأن يعين الأخ الرئيس مستشارين من الحراك وأنصار الله لأن الوضع كان بحاجة إلى تنسيق قوي بين السلطة وأنصار الله للتعاطي مع الوضع الاستثنائي الذي شهدته اليمن بعد أحداث 21سبتمبر وسقوط قوى النفوذ التي كانت تحول دون أي توصل إلى حلول مع الشعب، وفي مقدمة الشعب أنصار الله وكانت تلك القوى تسعى إلى صناعة الأزمات وتفريق الشعب وبمجرد سقوطها زالت كل تلك المخاوف التي كانت تحول دون التقارب مع أنصار الله وبقية الشعب. ما الذي قصدتموه بأن الوضع كان بحاجة إلى تنسيق قوي بين السلطة وأنصار الله؟ أي أن الإصرار على عدم إقالة الحكومة أدى إلى الدخول في صراع مع قوى النفوذ وأصبحت اللجان الشعبية متواجدة في صنعاء وغيرها وكان لابد من تواصل قوي لتطبيع الوضع. مشهد معقد من واقع مسؤوليتكم كمستشار للرئيس.. كيف ترى المشهد اليمني الراهن؟ المشهد اليمني الراهن مشهد معقد وبحاجة إلى تضافر الجهود والتزام أعلى درجات الحس الوطني وتغليب مصلحة الوطن فوق كل المصالح، هذه المرحلة فيها الظروف مهيأة بشكل كبير لإصلاح الوضع الاقتصادي والأمني والسياسي، وإعادة هيبة الدولة وحل الإشكالات بعد سقوط قوى النفوذ والاستبداد التي كانت جزءًا من مشاكل اليمن طيلة العقود الماضية. تحدٍ كبير بالرغم مما حققته اللجان الشعبية التابعة لأنصار الله من نجاحات، إلا أن الحالة الأمنية لا تزال تشكل تحديًا صارخًا في ضوء استمرار الاغتيالات والتي كان آخرها الحادث المؤسف الذي أودى بحياة الدكتور محمد عبد الملك المتوكل.. كيف ترى إمكانية الخروج من هذا الوضع؟ أولاً أعزي أسرة الشهيد وأقاربه وكل الشهداء الذين قضوا بسبب هذه الأعمال الإجرامية. أما الاختلالات الأمنية في اليمن ، فهي تشكل تحديلً كبيراً أمام الجميع إلا أن اللجان الشعبية قد حققت نجاحات كبيرة بالتعاون مع كل الشرفاء في الجيش والأمن.. ولأن هذه الظاهرة كانت مدروسة وتقف وراءها جهات لها نفوذ في مفاصل الدولة ولديها إمكانات فليس القضاء عليها بالأمر السهل، بل تحتاج إلى وقت ومع ذلك نحن نعتبر أن ما يحصل من اغتيالات يعتبر قليلاً أمام حجم الاستهداف والتآمر منذ سيطرة اللجان الشعبية في بعض المناطق لإفشالها. وقد تم القضاء على أوكار ومصانع ومستلزمات لصناعة الموت ونحن نعتبر أن البنية التحتية للجهات التي كانت تقف وراء الاغتيالات والاختلالات الأمنية قد تم القضاء على كثير منها مما خفف حدة هذه الاختلالات. مسؤولية الجميع ما يزال مقاتلو أنصار الله مستمرين في السيطرة على المدن والمحافظات.. ما الغاية من ذلك.. وإلى أين هم ماضون؟ أنصار الله هم الشعب وهم أبناء المناطق، عندما يتحركون في المناطق هم يتحركون من واقع المسئولية التي يتحملها جميع أبناء شعبنا للحفاظ على الأمن والسكينة العامة. وهناك تحرك كبير للعناصر الاستخباراتية للقاعدة، ولولا هذه الجهود للجان الشعبية لكان الوضع في غاية الخطورة خاصة وأن تحرك اللجان الشعبية جاء بعد استهداف الجيش والأمن والمواطنين في رداع والعدين والحديدة كان آخرها جبل الرأس. وهذا التحرك هو مرتبط بوجود الأجهزة الرسمية وقدرتها على السيطرة على الوضع. لا مطالب شخصية أحدثت عمليات الاستيلاء على أختام بعض المؤسسات الحكومية والوزارات والسيطرة عليها حالة من الرفض والاستياء لدى البعض، كما هو الحال بالنسبة لأعمال تفجير واقتحام المقرات والمنازل، أليس هناك بديلاً لمثل هذه الأعمال خاصة وأن الكثيرين ربما يتفقون معكم على إنهاء مظاهر الفساد والاستبداد، ولكن بطريقة وأسلوب آخر؟ أنصار الله ليس لهم أية مطالب شخصية ولا يسعون إلى فرض مطالبهم ، كل ما ينشدوه هو الحفاظ على مؤسسات الدولة التي ينخرها الفساد والنهب للمال العام حتى تشكيل الحكومة ، ولا يمكن أن تستغل بعض الأطراف الفراغ السياسي للقضاء على ما تبقى من مؤسسات الدولة وأنصار الله متواجدون فكانت هذه الخطوات ضرورية، ولا نبالي بمن يصيح فليس لدينا مطلباً شخصياً ومن يصيح هم المتضررون من الرقابة. ولو كان هناك جدية من الأجهزة الرسمية لفعلت عمليات الرقابة والمحاسبة بشكل رسمي وكفت الشعب الكثير من الوقت والجهد. هل هذا يعني أنكم سوف تنسحبون من المؤسسات الحكومية والوزارات الآن وقد تشكلت الحكومة ؟ بإمكان الحكومة استيعاب اللجان الثورية ضمن الأجهزة الرقابية الرسمية وتفعيل دورها وتعزيزه وبهذا ينتهي الإشكال إن وجد. بشكل عام، هل هناك برنامج زمني لانسحاب اللجان الشعبية من المدن، وهل هناك اتفاق لتجنيد أفراد هذه اللجان ضمن قوات الأمن والجيش؟ وكم العدد الذي سوف يتم تجنيده؟ مخرجات الحوار الوطني واتفاق السلم والشراكة نصتا على ضرورة استيعاب أبناء المحافظات التي تضررت من حروب صعده ضمن أجهزة الدولة وفي مقدمتها الجيش والأمن. واعتقد أن موضوع معالجة آثار الحروب وما حصل من إقصاء وتهميش هو استحقاق لأبناء المناطق المتضررة ، بالإضافة إلى موضوع الشراكة الوطنية. لا يمثلون أنصار الله هناك من يستغلون ما تقوم به اللجان الشعبية ويدعون أنهم يتبعون أنصار الله وبخاصة خارج المدن لابتزاز المواطنين، فما هي الضوابط التي يمكن أن تحد من هذه الظاهرة؟ ما تقوم به اللجان الشعبية هو خدمة للمجتمع ولا يتقاضون مقابل ذلك أي شيء وبالنسبة لرعايتهم وتغذيتهم، هناك مسئولي إمداد يقومون بتغطية نفقاتهم من خلال التبرعات الطوعية ولا يوجد إطلاقاً أي ابتزاز، وإذا وجد من يبتز باسم اللجان الشعبية فهو لا يمثل أنصار الله. خارطة طريق يرى البعض أن المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية لم يعد لهما وجود في ظل اتفاق السلم والشراكة الوطنية، كيف تردون عليهم؟ المبادرة الخليجية أتت لتحل أزمة بين طرفي الصراع، المؤتمر والمشترك، وتجاهلت الثورة ومع ذلك دخل الجميع في مؤتمر الحوار وتوافقوا على مخرجاته التي كانت مطلباً من مطالب الثورة الشعبية والتي أدت في الأخير إلى سقوط قوى النفوذ والفساد، وتوقيع اتفاق السلم والشراكة الذي يعتبر خارطة طريق لإخراج اليمن إلى بر الأمان بما اشتمل عليه من مضامين منها تنفيذ مخرجات الحوار الوطني. الالتزام بالاتفاق نص اتفاق الشراكة على أن يضع مستشارو الرئيس معايير المرشحين للحكومة الجديدة.. هل يمكن اعتبار هذا النص ملغياً وفقاً للاتفاق الأخير بتفويض رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء المكلف بتشكيل الحكومة؟ المعايير موجودة في اتفاق السلم والشراكة وهي النزاهة والكفاءة والخبرة والاستقلالية واحترام حقوق الإنسان. وكل ما فعله المستشارون هو توصيف هذه المعايير ولم يأتوا بمعايير من لديهم لذلك لا مجال للتنصل عن هذه المعايير لأن المطلب كان حكومة كفاءات وفق المعايير المذكورة. إذاً لماذا أعلنتم رفضكم للتشكيل الحكومي المعلن الأحد الماضي؟ لأن نص الطلب الذي قدمته المكونات للرئيس ورئيس الوزراء ينص على احترام اتفاق السلم والشراكة الوطنية وعلى وجه الخصوص الفقرة 7 والفقرة 8 من البند الثاني وهاتين الفقرتين تنص على ضرورة التشاور والتزام المعايير. والحكومة أعلنت دون الأخذ بعين الاعتبار أن هناك ثورة حصلت على الحكومة السابقة فأتت بكثير من الوجوه التي كانت جزءاً من المشكلة كما تضمنت شخصيات عليها ملفات فساد في الأجهزة الرقابية؛ لذلك من الطبيعي أن نطالب باحترام المعايير وتغيير وإزاحة من عليهم ملفات فساد ولا تنطبق عليهم المعايير. أقر اتفاق السلم والشراكة على أن يصدر رئيس الجمهورية خلال 15 يوماً مرسوماً لتوسيع مجلس الشورى بناءً على مخرجات الحوار الوطني.. لماذا تأخر تنفيذ ذلك؟ هذا الموضوع يعود إلى الرئيس نفسه، فقد طالبناه مراراً، لكنه كان يرى أن يتم ذلك بعد تشكيل الحكومة. تسليم السلاح يؤكد الاتفاق في ملحقه الأمني على ضرورة بسط سلطة الدولة واستعادة سيطرتها على أراضيها كافة وفقاً لمخرجات الحوار الوطني.. ألا ترى أن ما يجري على الأرض يتعارض مع ذلك؟ الدولة التي نبنيها بالشراكة ومخرجات الحوار الوطني هي الدولة التي نأمل أن يعيش جميع اليمنيين في ظلها لهم حقوق وعليهم واجبات وأن تعزز من سلطاتها وبسط سيطرتها على كل ربوع البلاد. الاتفاق ينص أيضاً على نزع وتسليم الأسلحة.. هل أنصار الله على استعداد لتنفيذ ذلك.. ومتى؟ كما أسلفت الدولة التي ستبنى بالشراكة ومخرجات الحوار الوطني هي الدولة التي ستوفر الحماية لجميع أبناء الشعب ، وبذلك لن يكون هناك فائدة لحمل السلاح ما دام وهناك دولة تحمي الجميع. تلاحم شعبي خضتم مواجهات عنيفة مع القاعدة في بعض مناطق البيضاء وإب وغيرها، وبالرغم مما تحقق من نجاحات.. هل تعتقدون أنكم قادرون بمفردكم على هذه المواجهة؟ الصراع مع «التكفيريين» هو صراع كانت تستخدمه قوى محلية وإقليمية ودولية لابتزاز أنصار الله منذ الأحداث في دماج وكتاف وعمران ، وما يحصل الآن هو امتداد لهذه المخططات وهذه العناصر الاستخباراتية هي مجرد أداة تستخدمها قوى في الداخل لابتزاز الخارج وتستخدمها القوى الدولية في مقدمتها أمريكا لتمرير سياستها وإملاءاتها على اليمن. وعندما وجدت النية الصادقة ووصل فساد هذه العناصر إلى مستوى لا يطاق من الإجرام من خلال استهدافها للجيش والأمن والمواطنين كان هناك تلاحم كبير بين جميع أبناء الشعب وتم تطهير أوكارها. غير ممكن في شأن آخر، هل تتوقعون إجراء الانتخابات النيابية والرئاسية بداية العام المقبل كما هو محدد لها؟ أعتقد أن ذلك غير ممكن ، فأمام الحكومة التزامات كثيرة تحول دون ذلك ونأمل أن تتعاون معها جميع المكونات لإنجاز مهامها لتجاوز هذه المرحلة. هل تفكرون أنصار الله في خوض الانتخابات أكان بمفردكم أو ضمن تحالفات؟ أعتقد أن كل شيء سيتبين في وقته، ولأنصار الله الحق في خوض الانتخابات والتحالف مع من أرادوا، وليس لأحد الحق أن يجبرهم على المشاركة، فهذا الموقف سيتبين في حينه. قضية عادلة كيف تنظرون إلى ما يحدث في جنوب الوطن من اعتصامات تدعو إلى فك الارتباط.. وما هو الحل برأيكم لإيجاد حل عادل للقضية الجنوبية بعيدًا عن شبح الانفصال؟ أعتقد أن القضية الجنوبية هي قضية كل اليمنيين، والإخوة في الجنوب بحاجة الى تكاتف الجهود لحل قضيتهم العادلة خاصة وأن تراكمات الماضي أدت إلى حالة من الاحتقان في أوساط الشعب وبالأخص في الجنوب، وخطابات السيد والفعاليات التي ينظمها أنصار الله توضح رؤية وموقف أنصار الله تجاه القضية الجنوبية. مستقبل اليمن في الأخير.. كيف تنظرون إلى مستقبل اليمن؟ مستقبل اليمن مرهون بتحمل أبنائه مسؤولياتهم بعيداً عن المكايدات والنظرات الضيقة، فإذا تحمل الجميع مسؤولياتهم واستشعروا خطورة المرحلة التي يمر بها شعبنا فأعتقد أنهم سيستطيعون إخراج اليمن من هذا الوضع خاصة وأن الظروف مهيأة بعد تلاشي الكثير من قوى النفوذ والفساد التي كانت تقف حجر عثرة في طريق أي إصلاحات شاملة في هذا البلد.