لا يريد العراقيون أن نرحل غداً، ولكن يريدون منا أن نرحل في أسرع وقت ممكن. هذه الخلاصة أو هذا الاستنتاج مصدره تصريح أدلى به الجنرال بيتر بايسي رئيس أركان الجيوش الأمريكية، وهو واضح في دلالاته، لكن تعتريه شائبة تقدير المدى الزمني الأمريكي للسرعة المطلوبة في إنجاز عملية رحيل الاحتلال الأمريكي عن العراق وترك العراقيين يعيدون وصل أجزاء وطنهم وما انقطع في ما بينهم وحكم أنفسهم بأنفسهم. هنا يفرض السؤال نفسه لرد الأمر الى أساسه : لماذا دفع البيت الأبيض بجيوشه ومن معه لغزو العراق واحتلاله؟ هل من أجل العراق والعراقيين، أم من أجل مخططه لإعادة صياغة المنطقة وفق ما تشتهي مصالحه ومصالح الكيان الصهيوني؟ لو كان الأمر من أجل العراقيين حقاً لكان الوضع مختلفاً بالمرة عما هو الواقع في بلاد الرافدين الآن، ولما بقي الاحتلال هذه المدة، ولما قام الأمريكيون ومن معهم بتشظية البلد والطوائف والمذاهب والأعراق تطبيقا لسياسته القائمة على شعار فرّق تسد. الرئيس الأمريكي جورج دبليو بوش وصقوره الآخرون، وخصوصا ديك تشيني ودونالد رامسفيلد، يرهنون استمرار الاحتلال بما يسمونه النصر في الحرب على الإرهاب، لا سيما أن بوش يعتبر أن بقاءه في العراق يحمي أمن الولاياتالمتحدة، وهذه مسألة مفتوحة زمنياً، ويمكن إذا ما تركت لتقديرات المحافظين الجدد أن يكون الاحتلال أبدياً. ما يريده العراقيون وما ينقذ وطنهم ووحدته واستقراره واسترداد موقعه الذي يستحقه في المنطقة وفي العالم شيء، وما يطمع به صقور بوش وأجندتهم الخاصة ضد العرب ولمصلحة “اسرائيل” شيء آخر هو النقيض تماماً. وإذا كان بقاء الاحتلال أو رحيله رهنا بإرادة العراقيين وما يطمحون اليه، فلينفذ البيت الأبيض استنتاج رئيس أركان جيوشه القائل إن العراقيين يريدون رحيل الاحتلال في أسرع وقت ممكن، وليشرع في برمجة الجلاء عن العراق ليتحرر الشعب العراقي ويبدأ بإعمار بلده وتنميته وإعادة العافية والحياة الطبيعية اليه. صحيفة الخليج الاماراتية