في شهر يوليو 2005 الماضي عقدت في بريطانيا قمة الدول الثماني الكبرى في العالم وفي إطار التنافس الدولي الشديد على القارة السمراء كانت أفريقيا هي الموضوع الرئيسي على جدول أعمال القمة وقد تقرر في هذا الاجتماع إعفاء ما يقرب من 50 مليون دولار من ديون الدول الأفريقية وزيادة المساعدات المقررة لها وبخلاف فرنسا التي تتمتع بعلاقات قوية مع دول أفريقية كثيرة وشراكة واسعة في مجالات اقتصادية وسياسية وثقافية نجد أن هناك تنافسا واضحا على كسب ود الدول الأفريقية في صورة عصرية من صور الإمبريالية وتبدو في هذا الصدد الولاياتالمتحدة كنموذج إمبريالي والصين الشعبية كديناصور اقتصادي طموح لأبعد الحدود، والصين الشعبية كانت تقدم نفسها منذ استقلالها في الخمسينيات من القرن الماضي-وحتى الآن-على أنها مجرد إحدى دول العالم الثالث ولكنها في الوقت نفسه على استعداد لمساعدة الدول المستقلة الجديدة لتوطيد هذا الاستقلال فإلى جانب الأسلحة والتدريب اللذين قدمتهما لبعض حركات التحرر الأفريقية ركزت الصين في أفريقيا على إقامة عدد من المشاريع الكبرى مثل خط السكك الحديدية بين زامبيا وتنزانيا والذي يخدم عدة دول،وكذلك في تمويل إقامة استادات رياضية ضخمة أو مراكز كبيرة للمؤتمرات وفي أحيان كثيرة كانت تقدم هذه المشروعات دون مقابل،وفي العقد الأخير وبعد انتقال الصين إلى ما يشبه النظام الرأسمالي في الاقتصاد والانفتاح الكبير على العالم تخلت الصين عن سياسة إقامة المشروعات الكبيرة في أفريقيا وبدأت تركز على العلاقات التجارية ولذلك شهدت الصادرات الصينية إلى أفريقيا طفرة هائلة في السنوات الأخيرة وصلت إلى أكثر من 20 مليار دولار في عام 2005 كما انتهى عصر إقامة المشروعات بالمجان وأصبح على أسس تجارية مع استمرار تقديم مساعدات في مجال الخبرات الفنية والمشروعات الصغيرة. أما الولاياتالمتحدةالأمريكية فقد وضعت أفريقيا في بؤرة الاهتمام وخاصة بعد زيارة الرئيس بوش لخمس دول أفريقية دفعة واحدة في يوليو 2003 وبعد ثلاثة أشهر فقط من سقوط بغداد ويرى خالد حنفي علي(السياسة الدولية-ع154-أكتوبر2003)أن الأهمية الخاصة للقارة الأفريقية في إطار الاستراتيجية الأمريكية الجديدة تراجع لعدة اعتبارات أهمها: أولا: تمتلك أفريقيا معابر تجارية ومواني بحرية هامة على المحيطين الهندي والأطلسي بما يجعلها منطقة هامة للولايات المتحدة تمارس فيها عمليات توسيع انتشارها العسكري عبر العالم،كما أن وجود القوات الأمريكية في هذه المعابر يسهل لها التدخل السريع بقواتها إذا دعت الحاجة ضد أي اعتداء،وربما الذهن الأمريكي لن ينسى ما حدث في عام 1998 حيث ضربت سفارتا الولاياتالمتحدة في كينيا وتنزانيا وكذلك استهداف مصالح حليفتها إسرائيل في كينيا في ديسمبر 2002 . ثانيا: ثروات التعدين والنفط:زاد الحديث في الآونة الأخيرة عن الاكتشافات النفطية في أفريقيا وهو الأمر الذي يمثل للولايات المتحدة فرصة كبيرة في إطار استراتيجيتها في التعامل مع الاحتياجات النفطية كمسألة أمن قومي وكذلك لاستخدام أفريقيا كمدخل للتنويع الجغرافي لوارداتها النفطية ويقدر مؤتمر الأممالمتحدة للتجارة والتنمية (الأونكتاد) مجمل الاحتياطي النفطي لأفريقيا ب80 مليار برميل أي ما نسبته 8% من الاحتياطي العالمي الخام،وقد باتت أفريقيا جنوب الصحراء بعد ما زاد إنتاجها على أربعة ملايين برميل يوميا تنتج مقدار ما تنتجه إيران وفنزويلا والمكسيك مجتمعة في السنوات العشر الأخيرة زاد إنتاجها بنسبة 36% مقابل 16% لباقي القارات، فالسودان التي بدأت تصدير نفطها قبل ست سنوات تستخرج يوميا ما يزيد على 186 ألف برميل بخلاف نيجيريا وأنجولا وغينيا الاستوائية والتي تنتج القدر الأكبر من النفط الأفريقي واستنادا على القدرات النفطية المستقبلية المتوقعة من الدول الأفريقية تشير دراسة أجرتها المجموعة الوطنية لتطوير سياسة الطاقة في واشنطن إلى أن الولاياتالمتحدة سترفع وارداتها النفطية من أفريقيا من 16% إلى 25% بحلول عام 2015 . ثالثا: تعتبر القارة الأفريقية سوقا كبيرة يقدر بحوالي 700 مليون نسمة وتسعى الولاياتالمتحدة لاستفادة من هذه الأسواق خاصة وأن هناك انخفاضا في التبادل التجاري بين الولاياتالمتحدة وأفريقيا ويشير تقرير لوزارة التجارة الأمريكية عام 2002 أن تجارة الولاياتالمتحدةالأمريكية مع أفريقيا تمثل حوالي 1.8% من إجمالي حجم تجارتها الخارجية ونسبة إجمالي المنتجات الأمريكية في السوق الأفريقية هي 9% فقط وهي تقل بكثير عن مثيلتها القادمة من السوق الأوربية التي تصل إلى 32% ويرجع انخفاض التبادل التجاري الأمريكي الأفريقي إلى الضرائب الجمركية الباهظة التي تفرضها واشنطن على أغلب المنتجات التصديرية الأفريقية مثل الملابس والنسيج. رابعا: ورقة السود في الانتخابات الأمريكية:إن الاهتمام الأمريكي في أفريقيا قد يساعد على تحسين صورة الحزب الجمهوري الذي يتزعمه بوش في أعين الأمريكيين السود والذين عادة ما يصوتون لصالح الحزب الديمقراطي. وبناء على هذه الاعتبارات الهامة التي توليها واشنطن للقارة السمراء قامت إدارة الرئيس بوش بعمل استراتيجية للتحرك داخل أفريقيا على مستويين رئيسيين: الأول: تكثيف التدخل العسكري الأمريكي في مناطق أفريقيا المختلفة والتدخل إذا لزم الأمر ومن أبرز الأمثلة في هذا الصدد التدخل العسكري الأمريكي في الأزمة الليبيرية في أغسطس 2003 بعد ضغط الولاياتالمتحدة على الرئيس الليبيري تشارلز تايلون ليتنحى عن السلطة ويتولى نائبه موسيس بلاه،ويرى بعض المحللين السياسيين أن هذا التدخل الأمريكي كان الهدف الرئيسي منه خدمة مصالح أمريكية تصب في قلب الاستراتيجية الأمريكية الجديدة في التعامل مع القارة الأفريقية ويتمثل في بناء واشنطن مطار روبرتسفيلد الدولي الذي يستخدم قاعدة رئيسية لتزويد الطائرات العسكرية الأمريكية بالوقود في المحيط الأطلنطي كما أن ليبيريا بها محطة إرسال تابعة للسي أي أيه (C.I.A) لالتقاط كل ما يبث في القارة إضافة إلى وجود قاعدة "أوميجا" إحدى أكبر ست قواعد بحرية أمريكية خارج الولاياتالمتحدة هذا إلى جانب وجود مزرعة المطاط اليابانية الأمريكية قرب مطار ليبيريا الدولي وهي أكبر مزرعة من نوعها في العالم ويقيم بها 75 ألف نسمة كما كانت ليبيريا أمريكية لدعم المتمردين في أفريقيا وعلى سبيل المثال كانت الأسلحة تصل لحركة "يونيتا" الأنجولية عبر منروفيا. الثاني: التحركات الأمريكية تجاه النفط الأفريقي: نظراً للأهمية القصوى للنفط الأفريقي بدأت "واشنطن" تحركات مكثفة أهمها:- 1- بدأت الإدارة الأمريكية العمل على إنهاء الصراعات وحروب التطهير العرقي في مناطق إنتاج النفط مثل "أنجولا" وحل الأزمة الليبيرية.....ألخ. 2- تكثيف الزيارات السياسية إلى أفريقيا فقد زار الرئيس "بوش" في يوليو 2003م ( السنغال - جنوب أفريقيا - بتسوانا - أوغندا - نيجيريا) وهذه الدول تم اختيارها بعناية لتمثل مناطق أفريقيا ويكون لها دور إقليمي وتعاون عسكري واقتصادي وثيق مع واشنطن. 3- تشكلت مجموعة المبادرة السياسية للنفط الأفريقي وهي تضم ممثلين عن الإدارة الأمريكية وشركات القطاع الخاص وأصدرت هذه المجموعة كتاباً بعنوان "النفط الأفريقي أولوية للأمن القومي الأمريكي وللتنمية الأفريقية" وأصبحت هذه المجموعة هي اللوبي الأمريكي الذي يترك في أفريقيا لتأمين المصالح النفطية فقد ضغطت هذه المجموعة على نيجيريا للخروج من منظمة الدول المصدرة للنفط. 4- تغاضت الولاياتالمتحدة عن فساد أنظمة الحكم في الدول الأفريقية النفطية، فرغم وضع غينيا الاستوائية في اللائحة الأمريكية لمنتهكي حقوق الإنسان إلا أن امتلاك هذا البلد لاحتياطي نفطي يقدر بملياري برميل يجعل "واشنطن" تغض الطرف عن هذه الانتهاكات. على الجانب الآخر نجد أن هناك نشاطاً صينياً واسع النطاق على المستويين السياسي والاقتصادي - عرض لهذا النشاط رضا محمد هلال ( السياسة الدولية/ع 163 يناير 2006م) في تقييمه لأداء مؤسسات التعاون الصيني الأفريقي على النحو التالي:- 1- في مجال التبادل والتعاون السياسي: تبادل الطرفان الصيني والأفريقي الزيارات الرسمية على مختلف المستويات حيث قام أربعة مسؤولين صينيين هم الرئيس "هوجونيتا ونائبه "زينج قواجونج" ورئيس البرلمان "ووبانج جوه" ونائب رئيس الوزراء "هيوانج جو" بزيارة أفريقيا خلال عام 2004م وذلك حرصاً من الجانب الصيني على تعزيز الوجود الصيني في أفريقيا وفي النصف الأول من عام 2005م قام نائب رئيس الوزراء ونائب رئيس اللجنة العسكرية المركزية ووزير الدفاع ووزير الخارجية بزيارات رسمية لنحو عشر دول أفريقية كما استقبلت الصين خلال الفترة من عام 2005م ثلاثة عشر رئيساً ونائبي رئيس و14 وزير خارجية من الدول الأفريقية وقد قاموا بإجراء مباحثات مع الصين فيما يخص تعزيز العلاقات الثنائية. وفي مجال تعزيز الأمن والاستقرار بأفريقيا قامت الحكومة الصينية بالمساهمة في عمليات الأممالمتحدة لحفظ السلام في أفريقيا حيث أرسلت 567 فرداً إضافياً لعمليات الأممالمتحدة لحفظ السلام في ليبيا وساحل العاج وبوروندي وأثيوبيا وإريتريا. 2- في مجال التعاون الاقتصادي والتجاري: قامت الصين في الفترة من منتصف عام 2004م إلى مايو 2005م بتقديم مساعدات مالية لنحو 46 دولة أفريقية تقدر قيمتها بنحو 1.690 مليار دولار بزيادة بلغت 167 مليون دولار من العام السابق لتنفيذ مشروعات تعاون تكنولوجي في 27 دولة وتقديم سلع وبضائع لنحو26 دولة أفريقية كما أبرمت الصين عقود إقراض مع أربع دول أفريقية بإجمال 1.458 مليار دولار لتنفيذ مشروعات في مجالات: رصف الطرق، وبناء المدارس والمستشفيات،والرعاية الاجتماعية، ومحطات المياه والصرف الصحي في المناطق الريفية والنائية، وذلك بفائدة سنوية لا تزيد عن 1.5% مع منح سماح عشر سنوات لهذه الدول لتسديد هذه القروض. وفي مجال الاستثمار الصيني بأفريقيا وصل حجم الاستثمارات الصينية المباشرة في أفريقيا في عام 2004م إلى مبلغ 130 مليون دولار كما تم تأسيس 116 شركة صينية في أفريقيا خلال الفترة من عام 2004م إلى مايو 2005م، قامت بتنفيذ عقود استثمارية بلغت قيمتها 610 ملايين دولار. وقامت الحكومة الصينية في إطار زيادة حجم التجارة البينية الصينية الأفريقية في مايو 2005م بتوقيع اتفاقات تجارية مع 41 دولة أفريقية بالإضافة إلى توقيع اتفاقات خاصة بمنع الازدواج الضريبي مع ثماني دول أفريقية وهي الاتفاقات التي انعكس مردودها الإيجابي في زيادة معدلات التجارة البينية خلال الفترة من يناير إلى يونيو 2005م بنسبة 42.57% عما كانت عليه في الفترة نفسها من العام المضي لتصل إلى 18.07 مليار دولا منها9.62 مليار دولار واردات صينية من الدول الأفريقية ونحو 8.45 مليار دولار صادرات صينية لهذه الدول وفي مجال الزيارات السياحية لأفريقيا فقد قام 45.500 صيني بقضاء أجازاتهم وجولاتهم السياحية في مصر وجنوب أفريقيا خلال عام 2004م وفي الأشهر الخمسة الأولى من عام 2005م بلغ عدد السائحين الصينيين لأفريقيا نحو 29.2 ألف سائح. [email protected] صحيفة الشرق القطرية