في اليمن ' يحلّ رمضان هذا العام ضيفاً كريماً وعزيزاً، ومعه نسائم الخير وسنابل البركات، يستقبله اليمنيون في كل المحافظاتاليمنية، والوطن يرزح تحت عدوان ﻻ ينتمي لهذا الكوكب الكروي، وحصار مطبق من الجهات اﻷربع، بما في ذلك الجو والبحر . شهر جديد بزمانه، لكنه غير جديد بأحداثه، وإن كان هناك من جديد، فهو الثبات المضاعف، والصمود اﻷشدّ، واﻻنتصارات المتتابعة التي تثلج صدور قوم مؤمنين . تحديات ﻻ تنتهي يواجه اليمنيون مزيداً من التحديات والصعاب التي أتت بها تبعات الحرب العدوانية، وإلى جانب ذلك؛ تستهدفهم حمﻼت أخرى مضادّة، هدفها الكيل بمكيالين، والسعي لهدمه وتدميره، ومفاقمة معاناته، وإثخان جراحه، لم تترك قوى العدوان أي باب للجرم إﻻ طرقته، وﻻ نافذة للتجويع والتركيع إﻻ ولجت منها في وضح النهار، بدأت مشوارها بخلق اضطراب مالي في السوق المالية، وارتفاع سعر صرف العملة الصعبة بشكل مفاجئ، ارتفعت معه اﻷسعار بشكل جنوني، أقلق الناس وزاد من توترهم، واستغل الطابور الخامس هذه اﻷوضاع لكيل اﻻتهامات نحو أشخاص بعينهم، وتصوير الوضع بالكارثي والمتأزّم، مع محاولة إغفال اﻷسباب الحقيقية لمثل هذه اﻷزمات ومن يقف وراءها، واﻷهداف التي يترجّاها العدوان منها، ظناً منه أن الشعب اليمني شعب عاطفي تجتاحه الشائعات سريعاً، وتحتويه ويصدّقها من دون تريّث، لكنه اصطدم بصخرة الوعي الصلبة لشعب كريم وعظيم يأبى الخضوع أو الركوع لقوى العدوان وأدواته، التي تواصل حصارها وحربها للعام الرابع على التوالي، وتمارس في عدوانها أبشع وأقذر اﻷساليب والجرائم واﻻنتهاكات . روحانية الشهر اليمنيون في جميع محافظات الوطن بشكل عام، يستقبلون شهر رمضان المبارك استقباﻻً خاصاً، لكونه محطة دينية روحية يتزوّد منه المؤمنون بالزاد الروحي، والطاقة اﻹيمانية، فينهلون من معين القرآن الكريم، ويكثرون التﻼوة والذكر، ويعمّرون بيوت الله بالصﻼة والقيام والدعاء . وينعكس هذا الجو اﻹيماني الروحي على معامﻼت الناس وعﻼقاتهم، فتنتشر قيم التراحم والتسامح، ويلتقي أهل الحي صغيرهم وكبيرهم في بيوت الله يؤدّون الصلوات، فيرى بعضهم بعضاً في ملتقى تغشاه مﻼئكة الله .. وفوق كل ذلك، يواسي الغني الفقير بالزكاة والصدقات، ويسعى أهل الخير إلى فك كرب اﻵخرين وإعانتهم على نوائب الدهر، فيتحقق التكافل والتراحم في أسمى معانيه . عادات وتقاليد لشهر رمضان عادات وتقاليد حياتية خاصة تميزه عن غيره .. كما أن هذه العادات الحياتية تختلف من محافظة إلى أخرى في اليمن، وربما قد تختلف الصورة داخل المحافظة الواحدة، والمﻼحظ أن هناك بعض العادات والتقاليد توشك على اﻻندثار لوجود بدائل وفّرتها التكنولوجيا، كالمسحراتي مثﻼً الذي بدأ دوره يتراجع .. بينما استطاعت الكثير من هذه العادات الصمود والبقاء ومقاومة كل المظاهر الدخيلة . ظروف اقتصادية بسبب هذا العدوان الغاشم، ﻻ يمكن إغفال أن شهر رمضان أتى على اليمنيين ومعه مشاعر اﻷلم والوجع، وتأوهات ضحايا الحرب والنزوح والجوع والدمار، إضافة إلى انعدام الخدمات بفعل الحصار الجائر، وتدمير مقوّمات البنى التحتية التي استهدفتها طائرات العدوان طوال فترة الحرب الشعواء، كل ذلك جعل صيام هذا الشهر ممزوجاً بالمعاناة والمأساة، بالتوازي مع التصعيد على جبهات الحرب وانغﻼق أي نوافذ للحل السياسي، هروب من الواقع بعد رحلة من الصوم المغلّف بظروف الحياة وطبيعتها القاسية؛ يتجمّع اليمنيون للبحث عن ضحكة يسترقونها من بين أصوات الطائرات، وأزيز الرصاص، فيلتقطونها في كلّ مساء من رمضان، أمام شاشات التلفاز للهروب من ويﻼت الخراب والدمار، ومشاهد القتل والدم، لقد دأبت القنوات اليمنية، قبل الحرب، على إنتاج برامج ومسلسﻼت اجتماعية في معظمها، تناقش قضايا اجتماعية قريبة من المجتمع، مثل الثأر، الزواج، غﻼء المهور، وارتفاع اﻷسعار وغيرها، لكنها لم تذهب هذا العام بعيداً عن الحرب وعن الواقع اليومي اللذين فرضا نفسيهما على صناع البرامج والمسلسﻼت في “ رمضان ” ، واستطاعا أن يهيمنا على المحتوى في اﻷعمال التلفزيونية، سواء منها الدرامي، أم ما يتخذ أشكاﻻً أخرى كالبرامج السياسية الساخرة . هكذا يرى اليمنيون لسان حال كل اليمنيين في هذا الشهر الكريم هو : أن الفرح بقدومه ومعرفة فضله ومكانته لمن أعظم اﻷمور المعِينة على الجد واﻻجتهاد فيه، ولم يضيِّع كثير من الناس الطاعة في هذا الشهر الكريم واﻹقبال على الله جلّ وعﻼ إﻻ من جهلٍ منهم بقيمته ومكانته، وإﻻ لو عرف المسلم هذا الشهر حقَّ معرفته وعرف قدره ومكانته لتهيَّأ له أحسن التهيُّؤ، واستعدّ له أطيب اﻻستعداد، ولبذل قصارى وسعه وجهده واجتهاده في سبيل الله، والقيام بعبادة الله على الوجه الذي يرضي الرب تبارك وتعالى . والسؤال الذي يطرح نفسه في هذه اﻷيام -والحديث لليمنيين - ؛ كيف نستقبل هذا الشهر الكريم؟ كيف نتهيّأ لهذا الموسم العظيم؟ كيف نستعد لهذا الشهر المبارك؟ وليس استقبال هذا الشهر بتبادل باقات الورد والزهور، وﻻ بإلقاء اﻷناشيد واﻷراجيز، وﻻ بتهيئة المﻼعب والصاﻻت، وﻻ بجمْع صنوف أنواع المطاعم والمشروبات والمأكوﻻت؛ إن التهيّؤ لهذا الشهر الكريم تهيّؤٌ للطاعة، واستعدادٌ للعبادة، وإقبالٌ صادق على الله جلّ وعﻼ، وتوبة نصوح من كل ذنب وخطيئة .