إبعاد الاقتصاد عن الصراع سيحافظ على ما تبقى من هياكل ومؤسسات الدولة وأجهزتها المختلفة كتب/ نجيب عبده تتعالى الأصوات المطالبة بتحييد الاقتصاد، ويُجمع خبراء الاقتصاد ورجال المال والأعمال وكافة المهتمين على أن ذلك مسألة ضرورية لإنقاذ ما تبقى من الاقتصاد الوطني والحد من الأزمات التي تفتك باليمنيين. وزارة التخطيط والتعاون الدولي كانت من أبرز المطالبين بتحييد الاقتصاد، وفي أحدث نشراتها المختصة بالمستجدات الاقتصادية والاجتماعية التي حصلت “26سبتمبر” على نسخة منها تناولت الوزارة أهمية تحييد الاقتصاد والكف عن استهداف المنشآت الاقتصادية وإيقاف الحصار والسماح للصادرات اليمنية بالعبور إلى السوق الدولية وتسهيل عملية انسياب الواردات إلى اليمن، والعمل على إعادة إنتاج وتصدير النفط والغاز. وتطالب وزارة التخطيط والتعاون الدولي بإيجاد سياسة نقدية موحدة بدلاً من انقسامها الذي يؤدي إلى اختلالات كبيرة في مهامها ويجعلها عاجزة على إدارة السياسة النقدية بصورة تضمن التخفيف من الضربات الموجعة التي يتعرض لها الاقتصاد الوطني خاصةً فيما يتعلق بانهيار العملة الوطنية “الريال” أمام الدولار والعملات الأجنبية الأخرى. لا تختلف رؤية القطاع الخاص عما تقدمه وزارة التخطيط للحد من تدهور الأوضاع الاقتصادية في البلد، وفي الوقت الذي تطالب وزارة التخطيط بتحييد الاقتصاد وتوحيد السياسة النقدية يطالب القطاع الخاص بنفس تلك المطالب التي يراها ذات الأولوية لتدارك الوضع الاقتصادي في البلد وإنقاذ حياة الشعب اليمني، ويشدد عليها كونه ملامساً للواقع أكثر من غيره. وفي اللقاء الذي نظمته الغرفة التجارية الصناعية بأمانة العاصمة بالتعاون مع المرصد الاقتصادي للدراسات والاستشارات، وبرعاية الاتحاد العام للغرف التجارية الصناعية اليمنية، يطالب القطاع الخاص بإنقاذ ما يمكن إنقاذه والعمل على تحييد الاقتصاد، ويؤكد القطاع الخاص على أنه تقدم بمبادرة تحييد الاقتصاد في العام 2016م، والتي كانت كفيلة وما تزال بتجاوز التأثيرات السلبية على الاقتصاد، وستعمل على استمرار النشاط الاقتصادي بعيداً عن الحرب والصراعات، كما أن مبادرة تحييد الاقتصاد كفيلة بتوفير الحد الأدنى من المعيشة للشعب اليمني. وفيما يتعلق بانهيار سعر صرف العملة الوطنية أمام العملات الخارجية دعا اللقاء التشاوري كافة الجهات الحكومية والدولية لإتاحة الفرصة للتنسيق الكامل بين البنك المركزي اليمني في كلاً من عدنوصنعاء ومارب لإدارة السياسة النقدية للبلد بصورة موحدة وبما يمكنها من الحد من تدهور الريال ووضع معالجات فعالة لاستقراره وضبط سوق الصرف بالطرق القانونية. بدورهم رجال الأعمال قد أكدوا على ضرورة قيام كافة الجهات الرسمية بواجبها الوطني في المحافظة على استقرار العملة وحماية الريال اليمني وتجنب الانزلاق نحو الهاوية، موضحون بأن هذا الانهيار سيصيب المواطنين البسطاء الذين يرضخون لتضخم هستيري في ظل انعدام مصادر الدخل وبالأخص الفئات الأكثر فقراً والتي باتت تمثل 85% من عدد السكان حسب المنظمات الدولية التابعة للأمم المتحدة. وينبهون بأن “القطاع الخاص التجاري والصناعي أول من يعاني من مخاطر تراجع سعر الصرف بل إنه ينال النصيب الأكبر من ويلات هذه الحالة المصرفية التي تتسبب في تآكل رأس ماله وانهيار أنشطته وتعرض التجار ومنشآتهم للإفلاس”. كما طالب رجال الأعمال أطراف الصراع بعدم إقحام أنشطة القطاع الخاص في الصراع الدائر في البلاد، وضمان الحرية الكاملة للنقل البري والبحري والجوي، وتسهيل حركة التجارة الخارجية عبر فتح كافة المنافذ أمام تدفق بضائع القطاع الخاص وتنقل رجال الأعمال والمسافرين.. كما طالبوا باستعادة الطاقة التشغيلية الكاملة للموانئ اليمنية، بما فيها ميناء الحديدة، من خلال إصلاح الأضرار التي تعرض لها وتسريع تفريغ السفن ودخولها من الغاطس، فضلاً عن إلغاء احتكار نقابة سائقي شاحنات النقل الثقيل للنقل الداخلي من ميناء عدن، يضاف إلى ذلك تحييد الإيرادات العامة للدولة، وتحييد البنك المركزي واستئناف انتاج وتصدير النفط والغاز، والصادرات غير النفطية، ورفع القيود المفروضة على التحويلات المالية كضرورة لتحقيق استقرار سعر صرف العملة المحلية، وتوفير العملات الصعبة في السوق المحلية لتغطية الواردات. ومن منظور أكاديمي يقول الدكتور يحيى المتوكل: إن هناك أسباباً جوهرية لضعف العملة الوطنية وتراجعها باستمرار أمام العملات الأجنبية وتكمن أهمية تلك الأسباب في الضعف الهيكلي المزمن للاقتصاد الوطني ليس من الآن فقط ولكن منذ وقت طويل، حيث يعاني الاقتصاد الوطني في الأساس من خلل هيكلي في قطاعته تمثلت في الاعتماد على مورد اقتصادي واحد فقد على إثره القدرة الإنتاجية المتوازنة وهذا ناتج عن عدم قدرة تنوع الاقتصاد الوطني، وكل ذلك جعل العملة الوطنية تتعرض لاهتزازات من حين لآخر. ويؤكد المتوكل أن من المؤثرات التي أسهمت في تراجع الريال طباعة العملة الوطنية بدون غطاء قانوني وإصدارها في زمن قياسي، وما نجم عن الحرب أيضاً من طلب للتمويلات، والسياسات التي اتخذتها دول العدوان لإضعاف العملة اليمنية وإصدارها بدون رصيد لتمويل حربهم على اليمن كما لعب المضاربون دوراً كبيراً في تفاقم المسألة وهذا يكشف كله المخاطر المحدقة بالشعب اليمني، لأن المعالجات لا يجب أن تهم طرف دون آخر. وفي ذات السياق يقول الدكتور علي سيف كليب -أستاذ الاقتصاد بجامعة صنعاء إن مشكلة سعر الصرف ليست وليدة اللحظة بل هي قائمة من زمن طويل وهذا ناجم عن عدم التقييم الحقيقي لسعر صرف الريال اليمني. ويؤكد كليب أن هناك عدداً من اللاعبين الحقيقيين في سوق الصرف من ضمنهم البنك المركزي والبنوك والوسطاء وشركات الصرافة والسماسرة وهناك من يعمل لمصلحته ومصالح آخرين، كما أن وظيفة سعر الصرف في اليمن لم تكن في يوم ما وظيفة حقيقية تعمل بأسس علمية واقتصادية وغابت الأهداف لهذه الوظيفة ولم يتم تنفيذ آلية عملية حقيقية مترابطة مع القطاعات الاقتصادية فيما المشكلة الحقيقية تتمثل في عدم وجود أنموذج تنموي لليمن يعمل عليه، الأمر الذي يتطلب استخدام سياسية علمية حقيقية متوازنة تراعي الجوانب النقدية والتجارية والمالية في اليمن. من جانبه أكد الدكتور طه الفسيل الخبير الاقتصادي أن تحييد الاقتصاد أصبح ضرورة ملحة بهدف إنقاذ اليمنيين من المجاعة الحقيقية.. ونوه إلى أن ابرز نتائج تحييد الاقتصاد ستكون لها تأثير في الحد من تدهور الاوضاع الاقتصادية والمعيشية والإنسانية للمواطنين في كافة المدن والمناطق اليمنية، بما في ذلك المساهمة في تأمين وتوفير الاحتياجات الأساسية من السلع الغذائية والأدوية والمشتقات النفطية بأسعار أقل من الأسعار الحالية. بالإضافة إلى المساهمة في إعادة جزء كبير من العمالة التي تم تسريحها أو فقدت أعمالها بسبب الحرب والصراع المسلح الداخلي، وما يؤدي إليه ذلك من تخفيف معدلات الفقر والبطالة المرتفعة من خلال توفير مصادر الدخل لهم. كما سيعمل تحييد الاقتصاد على الحفاظ على ما تبقى من أنشطة انتاجية وخدمية واستئناف الأنشطة التي توقفت، سواء بصورة كلية أو جزئية وما يعنيه ذلك من تشغيل للعمالة بما في ذلك الأنشطة الزراعية والحيوانية والسمكية. ويضيف الفسيل بالقول: إن أبرز النتائج المتوقعة على المستوى العام تتمثل في الحفاظ على ما تبقى من بنية تحتية ومنشآت ومرافق اقتصادية إنتاجية وخدمية.. وضمان استمرارية أنشطة القطاع الخاص، والأنشطة الاقتصادية بصورة عامة والحفاظ على ما تبقى من هياكل ومؤسسات الدولة وأجهزتها المختلفة والحد من تزايد وتفاقم حجم التكلفة المستقبلية لإعادة الإعمار والتعافي الاقتصادي والاجتماعي. وكذا الإبقاء على المصالح المتقاطعة لجميع أطراف الصراع اليمنية والخارجية، فالحرب والصراع المسلح الداخلي مهما طال فإنه سيتوقف في وقت ما. وإذا لم يكن ممكنا أن يتوقف الآن فعلى الأقل يجب العمل من قبل الاطراف اليمنية والخارجية للتوصل إلى تسوية اقتصادية، إنسانية، فلن يكون من صالح أي طرف يمني ولا الأطراف الخارجية والإقليمية أن تتحول اليمن إلى أطلال وخراب، كون ذلك سيؤثر على الاستقرار والأمن الإقليمي والدولي.