ان الفتن والابتلاءات سنة من سنن الله لعباده قال تعالى: ﴿لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً﴾ وقال تعالى:﴿أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لاَ يُفْتَنُونَ وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ﴾ ولقد جرت سنة الله في خلقه منذ الأزل وإلى آخر أيام الدنيا بالابتلاء والامتحان لعباده قال تعالى:﴿لِيَمِيزَ اللَّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَيَجْعَلَ الْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلَى بَعْضٍ فَيَرْكُمَهُ جَمِيعاً فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنَّمَ أُوْلَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ ﴾ وهذا الابتلاء يحصل في إطار الصراع بين الحق والباطل، والخير والشر، والضلال والهدى الذي بدأ عندما قال الله لأبونا آدم عليه السلام: ﴿اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ﴾ لأن هذه هي طبيعة الحياة الدنيا التي يجب أن نوطن أنفسنا عليها وأن نصحح نظرتنا إليها على هذا الأساس، لأننا إذا نظرنا إليها غير هذه النظرة فسوف نتفاجأ ونتألم حينما نتعرضُ للابتلاء والامتحان قال سبحانه: ﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الأَمْوَالِ وَالأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ﴾. فما أعظمها من نعمةٍ حينما يكون الابتلاء والامتحان ويرى الإنسان المؤمن نفسه في صف الحق وخندق الحق، هذه هي نعمة التوفيق ونعمة الهداية ونعمة الثبات والتأييد الإلهي، حينها لا يبالي الإنسان ما أصابه وما ناله لأنه في مرضاة الله، وعلى طريق هداه، سواء كان له أو كان عليه، فهو في الحقيقة له وليس عليه قال سبحانه: ﴿ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ لاَ يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلاَ نَصَبٌ وَلاَ مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلاَ يَطَئُونَ مَوْطِئاً يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلاَ يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلاً إِلاَّ كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ إِنَّ اللَّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ﴾ ولذلك فإن أهم ما ينبغي أن يشغل بال الإنسان وتفكيره هو أين يضع قدمه وفي أي موقف يقف فإن كان في سبيل الله وطريق مرضاته فلا يبالي وإن كان في غير ذلك فليحذر وليصحوا من غفلته، قبل أن يموت على الضلال ويلقى الله وهو عليه غضبان والعياذ بالله من غضبه وعقابه وشر عباده. وعندما يقع الإنسان في الابتلاء يضحي ويتعرض للمصائب سواء كان في جبهة الحق أو في صف الباطل لكن الفارق بينهما أن المؤمن محسوبٌ له كل شيء وكل ما وقع عليه هو من اجل الله وفي مرضاته سبحانه بينما أهل الباطل يخسرون ويقدمون التضحيات لكن كل ما يخسرونه هو جزء من عقوبة الله في الدنيا ولعذاب الآخرة أشد وأبقى قال تعالى: ﴿قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ﴾. إن المؤمنين الصادقين على مَرّ الزمان لا تزيدهم الابتلاءات إلا صفاءً وثباتاً ويقيناً وإيماناً لأن قوتهم مستمدة من قوة الله الغالب على أمره والقاهر فوق عباده، فالابتلاءات هي التي تجلي عظمتهم وتبين قمة ثباتهم ورباطة جأشهم، وهكذا قال الله تعالى: ﴿وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلاَّ إِيمَاناً وَتَسْلِيماً﴾ وقال تعالى: ﴿وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلاَّ أَنْ قَالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ﴾ فصبرنا على البلاء في مقارعة الباطل هو من ثبات ايماننا بالله من نصره للحق على الباطل وازهاقه.