عبدالله العليمي عضو مجلس القيادة يستقبل سفراء الاتحاد الأوروبي لدى بلادنا    هل سمعتم بالجامعة الاسلامية في تل أبيب؟    لأول مرة منذ مارس.. بريطانيا والولايات المتحدة تنفذان غارات مشتركة على اليمن    وكالة: باكستان تستنفر قواتها البرية والبحرية تحسبا لتصعيد هندي    هدوء حذر في جرمانا السورية بعد التوصل لاتفاق بين الاهالي والسلطة    الريال يخطط للتعاقد مع مدرب مؤقت خلال مونديال الأندية    جاذبية المعدن الأصفر تخفُت مع انحسار التوترات التجارية    الوزير الزعوري يهنئ العمال بمناسبة عيدهم العالمي الأول من مايو    حروب الحوثيين كضرورة للبقاء في مجتمع يرفضهم    عن الصور والناس    أزمة الكهرباء تتفاقم في محافظات الجنوب ووعود الحكومة تبخرت    إغماءات وضيق تنفُّس بين الجماهير بعد مواجهة "الأهلي والهلال"    النصر السعودي و كاواساكي الياباني في نصف نهائي دوري أبطال آسيا    الأهلي السعودي يقصي مواطنه الهلال من الآسيوية.. ويعبر للنهائي الحلم    البيض: اليمن مقبل على مفترق طرق وتحولات تعيد تشكيل الواقع    اعتقال موظفين بشركة النفط بصنعاء وناشطون يحذرون من اغلاق ملف البنزين المغشوش    غريم الشعب اليمني    الوجه الحقيقي للسلطة: ضعف الخدمات تجويع ممنهج وصمت مريب    درع الوطن اليمنية: معسكرات تجارية أم مؤسسة عسكرية    مثلما انتهت الوحدة: انتهت الشراكة بالخيانة    رسالة إلى قيادة الانتقالي: الى متى ونحن نكركر جمل؟!    جازم العريقي .. قدوة ومثال    دعوتا السامعي والديلمي للمصالحة والحوار صرخة اولى في مسار السلام    العقيق اليماني ارث ثقافي يتحدى الزمن    إب.. مليشيا الحوثي تتلاعب بمخصصات مشروع ممول من الاتحاد الأوروبي    مليشيا الحوثي تواصل احتجاز سفن وبحارة في ميناء رأس عيسى والحكومة تدين    معسرون خارج اهتمامات الزكاة    منظمة العفو الدولية: إسرائيل ترتكب جريمة إبادة جماعية على الهواء مباشرة في غزة    تراجع أسعار النفط الى 65.61 دولار للبرميل    الدكتوراه للباحث همدان محسن من جامعة "سوامي" الهندية    نهاية حقبته مع الريال.. تقارير تكشف عن اتفاق بين أنشيلوتي والاتحاد البرازيلي    الاحتلال يواصل استهداف خيام النازحين وأوضاع خطيرة داخل مستشفيات غزة    الصحة العالمية:تسجيل27,517 إصابة و260 وفاة بالحصبة في اليمن خلال العام الماضي    الحكومة تعبث ب 600 مليون دولار على كهرباء تعمل ل 6 ساعات في اليوم    "كاك بنك" وعالم الأعمال يوقعان مذكرة تفاهم لتأسيس صندوق استثماري لدعم الشركات الناشئة    لوحة "الركام"، بين الصمت والأنقاض: الفنان الأمريكي براين كارلسون يرسم خذلان العالم لفلسطين    اتحاد كرة القدم يعين النفيعي مدربا لمنتخب الشباب والسنيني للأولمبي    صنعاء .. حبس جراح واحالته للمحاكمة يثير ردود فعل واسعة في الوسطين الطبي والقانوني    صنعاء .. حبس جراح واحالته للمحاكمة يثير ردود فعل واسعة في الوسطين الطبي والقانوني    النقابة تدين مقتل المخرج مصعب الحطامي وتجدد مطالبتها بالتحقيق في جرائم قتل الصحفيين    رئيس كاك بنك يعزي وكيل وزارة المالية وعضو مجلس إدارة البنك الأستاذ ناجي جابر في وفاة والدته    اتحاد نقابات الجنوب يطالب بإسقاط الحكومة بشكل فوري    مئات الإصابات وأضرار واسعة جراء انفجار كبير في ميناء بجنوب إيران    برشلونة يفوز بالكلاسيكو الاسباني ويحافظ على صدارة الاكثر تتويجا    الأزمة القيادية.. عندما يصبح الماضي عائقاً أمام المستقبل    أطباء بلا حدود تعلق خدماتها في مستشفى بعمران بعد تعرض طاقمها لتهديدات حوثية    لتحرير صنعاء.. ليتقدم الصفوف أبناء مسئولي الرئاسة والمحافظين والوزراء وأصحاب رواتب الدولار    غضب عارم بعد خروج الأهلي المصري من بطولة أفريقيا    علامات مبكرة لفقدان السمع: لا تتجاهلها!    حضرموت اليوم قالت كلمتها لمن في عينيه قذى    القلة الصامدة و الكثرة الغثاء !    عصابات حوثية تمتهن المتاجرة بالآثار تعتدي على موقع أثري في إب    حضرموت والناقة.! "قصيدة "    حضرموت شجرة عملاقة مازالت تنتج ثمارها الطيبة    الأوقاف تحذر المنشآت المعتمدة في اليمن من عمليات التفويج غير المرخصة    ازدحام خانق في منفذ الوديعة وتعطيل السفر يومي 20 و21 أبريل    يا أئمة المساجد.. لا تبيعوا منابركم!    دور الشباب في صناعة التغيير وبناء المجتمعات    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



13يناير المشؤومة: آخر وجبات الرفاق الدموية
نشر في 26 سبتمبر يوم 05 - 01 - 2019

القتل بالهوية ودفن الخصوم أحياء في الحاويات, واحدة من الصور الرهيبة للمجزرة
الآلاف انتهوا في تلك الأحداث وأكثر من 100 ألف نزحوا إلى الشمال
{ أحداث يناير امتدت إلى ما بعد قيام الوحدة ومثلت» ألوية علي ناصر « واحدة من أدوات الثأر لهزيمة قواته في 86م
أبسط ما يعيد الصورة التي كان عليها الوضع قبل قيام الوحدة بين شطري اليمن في ال22 من مايو عام 1990م, هو أنه كانت هناك نقطة عسكرية تابعة لما كان يعرف ب» اليمن الشمالي « في قرية « عوين « التابعة لمحافظة البيضاء ( شمالية ) ونقطة عسكرية جنوبية في قرية « المأذن « إحدى قرى مكيراس وكانت تابعة لمحافظة أبين ( جنوبية ) ولم يكن يفصل بين القريتين سوى مسافة بسيطة وكانت المشاكل الحدودية بين الشطرين إذا تقدم وتد خيمة إحدى النقطتين شبرا أو شبرين عن مكانه وتتشكل لجان على مستوى رفيع من الشطرين وتعقد اجتماعات مكثفة توصل نتائج اجتماعاتها إلى رئيسي الشطرين ولا تنتهي هذه اللجان من عملها إلا بعودة الوتد « المعتدي « إلى مكانه المتفق عليه.
عبدالكريم حسين
وقبل أحداث 13 يناير من العام 1986م حدث أن أسست حكومة الشطر الشمالي لمدرسة في قرية « ذي أم خشب « شمالية ولأن أساسها تقدم أقل من متر فيما قيل أنها أراضي جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية فقد شكلت لجان للنظر في قضية المدرسة بلغت تكلفته اجتماعاتها أكثر من تكلفة بناء المدرسة وكاد هذا الموضوع يتسبب في نزاع عسكري كبير فأنتهى هذا الموضوع بإيقاف بناء المدرسة, في وقت كانت السعودية تتمدد في الأراضي اليمنية بهدوء بعد أن اجتزأت نجران وعسير وجيزان تحت غطاء اتفاقية الطائف الموقعة عام 1934م
تلك الواقعة التي لم تكن سوى نافذة لمشاهدة ما كان يحدث بين الشطرين قبل الوحدة, أما داخل كل شطر, فقد كان كل منهما غارق في مشاكله السياسية وصراعاته, وإن ادعى أن الوضع لديه مستتب, فأحداث 13 يناير عام 1986م ماتزال ماثلة إلى اليوم ولا يمكن أن تمحى من الذاكرة رغم ما أعلن بعدها من جهود للتصالح والتسامح, لكنها ستظل حدثا تاريخيا دمويا مشؤوما ولمعرفة ما حصل في هذا اليوم وما بعده .. لا بد من العودة إلى ما كان قبل ذلك من صراعات سياسية مريرة لأسباب عدة, فماذا حدث؟
في أواخر عام 1995م, أي بعد عام من الحرب الأهلية عام 1994م التي اندلعت تحت غطاء الحفاظ على الوحدة اليمنية والقضاء على المشروع الانفصالي الذي أعلنه علي سالم البيض بعد 4 سنوات من الوحدة, تم العثور على مجموعة من الحاويات أو « الكونتيرات « في المنطقة التي يقع فيها معسكر الصولبان ومناطق أخرى في عدن ووجد بداخلها عظام لأشخاص وضعوا فيها أحياء فكانت تلك واحدة من الصور البشعة لمجازر 13 يناير الأليمة التي تقاتل فيها الرفاق قادة الحزب الاشتراكي ودفع الجنوب فيها ثمنا باهظا وظهرت مصطلحات تعبر عن الكراهية وثقافة ممقوتة مثل « الطغمة « و» الزمرة « التي تعني الأولى تيار البيض والثانية تيار علي ناصر محمد, وكان الأكثر كلفة هي الدماء التي أريقت, فالمجزرة الحقيقية ليناير لم تكن في التسعة أيام الأولى التي استمرت خلالها الأحداث بل بعدها على مدار عامين وأكثر, إضافة إلى عشرات الآلاف الذين نزحوا إلى المحافظات الشمالية من أنصار الرئيس الأسبق علي ناصر محمد وهم من أبناء محافظات أبين وعدن وشبوة, فقد تمت التصفيات والاعتقالات ببطاقات الهوية ووصل عدد المعتقلين في عهد صالح منصر السيلي الذي كان وزيرا للداخلية حينها في الجنوب إلى أكثر من عشرة آلاف معتقل, تمت تصفية المئات منهم في سجن فتح ومعسكر الصولبان والمشاريع السوفيتية, وتجاوز القتل كل صور البشاعة والحقد والانتقام.
النزوح إلى المحافظات الشمالية من المحافظات الجنوبية لم يكن الأول, بل كان استكمالا لنزوح سبقه وبعد مجازر, ففي العام 1968م بقيادة عبدالله سبعة نزح الآلاف من المحافظات الجنوبية إلى المحافظات الشمالية وبعد القضاء على قحطان الشعبي في العام 1969م نزح أكثر منهم, ثم في العام 1972م بعد عزل محمد علي هيثم كرئيس للوزراء نزح الآلاف, ونزح أكثر منهم بعد تصفية الرئيس سالم ربيع علي بتهمة التسيب الإيديولوجي والتراخي في تطبيق النظرية الماركسية وانفتاحه على الولايات المتحدة الأمريكية ودول الخليج والرجعية السعودية واستغلال قضية الوحدة وانفراده بالسلطة, حيث تشير بعض المصادر إلى قيام قادة الحزب الاشتراكي في ال26 من يونيو 1978م بتوجيه سرب من الطائرات والقوات البحرية والمدفعية بقصف دار الرئاسة الذي كان يتواجد فيه سالم ربيع علي, وبعد قصف استمر 17 ساعة سلم نفسه هو واثنين من مساعديه, وحوكم ( سالمين ) من قبل المكتب السياسي في 10 دقائق وأعدم هو و150 ضابطا وجنديا حسبوا عليه.
وبعد أحداث 13 يناير نزح أكثر من 45 ألفا من المدنيين و15 ألفا من العسكريين إلى الشمال وتضاعف العدد إلى ما قبل قيام الوحدة إلى نحو 100 ألف شخص بعد رفض قادة الحزب الاشتراكي في عدن وهو الجناح المنتصر في تلك الأحداث برئاسة علي سالم البيض إجراء مصالح وطنية, وهذا العدد بالطبع لم يبق كله في المحافظات الشمالية كاملا, بل تحول الشمال إلى محطة ترانزيت بجوازات سفر صادرة من صنعاء للانتقال إلى دول الخليج للعمل فيها, في حين قامت السلطات في صنعاء بتجميع أتباع علي ناصر محمد العسكريين في ألوية عرفت فيما بعد قيام الوحدة ب» ألوية الوحدة «, وخلال الحرب الأهلية عام 1994م شاركت هذه الألوية في القتال ضمن القوات الموالية للرئيس السابق علي عبدالله صالح, أي أن أحداث يناير لم تنته بانتهائها في عدن قبل الوحدة بل امتدت إلى ما بعد الوحدة من خلال قتال هذه الألوية للقوات الموالية لعلي سالم البيض, فكان في قتالها جانب للدفاع عن الوحدة و جانب آخر للثأر والانتقام لهزيمة قوات علي ناصر محمد في 13 يناير.
ولغلق الباب أمام أي محاولات للمصالحة حكم الحزب الاشتراكي على 35 من القيادات النازحة بالإعدام كان بينها الرئيس الأسبق علي ناصر محمد وعبدالله علي عليوه وأحمد مساعد حسين ومحمد علي أحمد وعبدربه منصور هادي وأحمد عبدالله الحسني وبالسجن المؤبد أو بفترات تتراوح ما بين العشرين والعشر سنوات, ليتم في العام 1988م تنفيذ الإعدام في خمسة من القياديين الذين لم يتمكنوا من الإفلات من قبضة الحزب.
لكن لماذا هذه الدماء وهذه الوحشية, هل هو الكرسي؟ أم دافع مناطقي أم عقائدي سياسي ؟ هل كانت الشيوعية والتوجه الماركسي, وراء كل ذلك, أم طبيعة انتقامية بحتة من قبل الأخ لأخيه؟ كثيرون كتبوا وكثيرون رووا ما حدث, وهنا نستقرىء شيئا مما كتب ومما روي عن تلك الأحداث وأسبابها ..
في بداية تزعمه للحزب الاشتراكي بأمانته العامة ورئاسة هيئة مجلس الشعب الأعلى ومجلس الوزراء واجه علي ناصر محمد ذات التيار الذي قام بإسقاط قحطان الشعبي في العام 1969م وتصفية سالم ربيع علي في يونيو 1978م والانقلاب الأبيض على عبدالفتاح إسماعيل بذريعة ظروفه الصحية وترحيله إلى موسكو, ولهذا لم يكن بإمكان علي ناصر محمد الاستمرار في الحكم في وجود ذلك التيار المتشدد ولا بإمكان ذلك التيار الانفراد بالحكم في بقاء علي ناصر, فاستخدم كل طرف منها الورقة القبلية والمناطقية, لكن الأخطر من ذلك هو تحالف علي عنتر مع عبدالفتاح اسماعيل وهو تحالف ضم صالح مصلح وعلي سالم البيض وعلي شايع هادي, وكان هناك تحالف قبلي في إطار هذا التحالف وهو تحالف قبائل الضالع مع قبائل يافع وجزء من قبائل حضرموت التي ينتمي إليها علي سالم البيض وهذا التحالف وقف في وجه التحالف القبلي الذي كان يمثله علي ناصر محمد والمتمثل في قبائل دثينة وأبين والعواذل والفضلي وبعض قبائل شبوة
وتشير كثير من المصادر إلى أنه قبل بدء المؤتمر العام الثالث للحزب ركز التيار المواجه لعلي ناصر محمد على ضرورة الفصل بين السلطات الثلاث التي يتولاها ( أمانة الحزب ورئاسة الحكومة ورئاسة الدولة) , لتقليص صلاحيات علي ناصر بل وسحبها منه, فتم إسناد رئاسة الحكومة لحيدر العطاس في فبراير 1985م, وفشل في تنصيب علي عنتر رئيسا للدولة وعبدالفتاح إسماعيل أمينا عام للحزب وانتهت الأزمة بتشكيل لجنة مركزية ومكتب سياسي, وبدأت أعمال المؤتمر العام الثالث في ال11 من أكتوبر 1985م بإبقاء اللجنة المركزية السابقة على أن يضاف إليها عددا من أنصار كل طرف وتقليص أعضاء المكتب السياسي إلى 7 أعضاء فقط, فعاد الخلاف من جديد وتعذر عقد اجتماع اللجنة المركزية للحزب الذي كان مقررا في ديسمبر 1985م ولم يجتمع المكتب السياسي, واقترح تحالف علي عنتر عبدالفتاح عقد الاجتماع في 9 يناير 1986م ونوقش فيه إسناد الدائرة التنظيمية لعبدالفتاح إسماعيل ليكون الشخص الثاني في الحزب, وأرجئ الاجتماع إلى 13 يناير, وتوافد أعضاء المكتب السياسي إلى اللجنة المركزية واحد تلو الآخر ( علي عنتر نائب رئيس هيئة مجلس الشعب الأعلى, صالح مصلح وزير الدفاع, علي شايع هادي رئيس لجنة الرقابة الحزبية وعبدالفتاح إسماعيل وعلي سالم البيض الذي كان وزيرا للإدارة المحلية) فاشتعل فتيل المجزرة الأبشع في تاريخ اليمن, من داخل اللجنة المركزية حيث قتل فيها علي عنتر وصالح مصلح وعلي شايع هادي ثم أعلن بعد ذلك عن مقتل عبدالفتاح إسماعيل, وتحولت عدن إلى محرقة لمدة تسعة أيام, شاركت فيها البحرية والطيران والدبابات وتقاتل الحزب الاشتراكي فيما بينه قيادة وقواعد, خلفت مأساة كبيرة ..
حيث تم قتل معظم القيادات التاريخية للحزب, فقد أعلن الحزب في 23 يناير 1986م أن 49 من أعضاء المكتب السياسي واللجنة المركزية وكوادر الحزب قد قتلوا أثناء المجزرة, ولم يكن من بينهم عبدالفتاح اسماعيل, وهذه المسألة أي مصير عبد الفتاح إسماعيل الذي سبق للكاتب الكبير والسياسي المعروف سعيد الجناحي أن أثارها في سلسلة مقلات في صحيفة 26 سبتمبر.
خلال 25 إلى 28 فبراير من العام 1990م, ومجلس الشعب الأعلى يناقش ما عرفت ب» بيريسترويكا عدن « التي ظهرت من خلال ما أسمي ب» وثيقة الإصلاح الاقتصادي والسياسي « التي قدمتها مجموعة حضرموت في الحزب الاشتراكي برئاسة حيدر العطاس في العام 1989م في محاكاة ل» غلاسنوست « التي تعني الشفافية والصراحة وبيريسترويكا غورباتشوف « التي تعني إعادة الهيكلة كانت مجلة « الدستور « اللندنية أول مجلة غير يمنية تحضر جلسات مجلس الشعب الأعلى وأجرت حينها مقابلة مع الأمين العام المساعد للحزب سالم صالح محمد, الذي أوجز أخطاء الحزب ( ليس كلها بالطبع ) في عنوان ( تأخرنا كثيرا والتعسف كان عجيبا) قائلا :
في عهد سالمين « سالم ربيع علي « أعلن قانون الإصلاح الزراعي, فقامت الانتفاضات الفلاحية وصودرت أملاك الناس بتجاوز للقانون, وقمنا بإجراءات فوضوية وحسمنا الصراع مع سالمين, وكان صراعا دمويا, لم نستطع بعدها أن نتغلب على مثل هذه الأخطاء أو نعطي الناس حقها ولو بموجب قانون الإصلاح الزراعي الذي يبيح تملك 40 فدانا من الأراضي المطرية و20 فدانا من الأراضي المروية
ويتابع سالم صالح قائلا « وعلى صعيد القطاع الصناعي والسياحة والخدمات فقد تضررت بإجراءاتنا المتطرفة, فقد تطرفنا, مثلا, برفع شعار الاقتصاد الإنتاجي على حساب الاقتصاد الخدماتي فضربت الخدمات في ميناء عدن المدينة التي كانت متقدمة بحركة السفن داخل الميناء الذي تضرر أكثر بحرب 67م, فمثلا أقمنا مشروعا سمكيا كلفنا عشرة ملايين ولم يكن الإنتاج يغطي تكاليف المصنع.. وتطرفنا أيضا تجاه التحالفات الوطنية, حيث تعسفنا بصغار الفلاحين والتجار( يسمى هؤلاء بالبرجوزاية الصغيرة), وقمنا بمصادرة قوارب الصيد وتأميم الأراضي الزراعية وتطرفنا تجاه الرأسمال الوطني ولم نستفد من إمكانيات هذه الفئة بل أيضا انعكس تطرفنا ليس داخل اليمن الديمقراطي فحسب, بل وفي علاقاتنا اليمنية اليمنية وعلاقاتنا مع دول المنطقة, ودفع شعبنا الثمن باهظاَ.
وعندما سأل الصحفي سالم صالح محمد عن أحداث 13 يناير أجاب « كانت آخر الأحداث المؤلمة في حياتنا»
فسأله : ومن يضمن أنها آخر الأحداث المؤلمة, فلم يعلق سالم صالح على ذلك..وترويجا لبيروسترويكا عدن, ونظرة سالم صالح إلى كل من تمت تصفيتهم من قبل الحزب, قال « سنرد الاعتبار إليهم, فقال الصحفي « إلى الجميع ؟
فقال سالم صالح : إلى كل من لم يحاكم قضائيا وكانوا ضحايا للارهاب.
فسأل الصحفي, وهل لديكم قوائم بأسمائهم ؟ فقال سالم صالح « بعضهم معروف وبعضهم مطلوب من عائلاتهم أن يتقدموا بأسمائهم لنعتبرهم شهداء.
وإصلاحات غروباتشوف مثلما أوصلت الاتحاد السوفيتي إلى حل حلف وارسو وتحويل 400 مؤسسة للإنتاج الحربي إلى مؤسسات لانتاج السلع المدنية وخفض الجيش السوفيتي من خمسة ملايين رجل إلى النصف مع حلول العام 1994م وتحويل مصنع صواريخ اس اس 20 إلى مصنع لعربات الأطفال, فإن «بيريسترويكا عدن» لم تستطع تنفيذ إصلاحات اقتصادية بل جاءت تكتيكا مرحليا لضمان بقاء الحزب في السلطة بعد تهاوي الأحزاب الشيوعية في العالم كله مع انهيار منظومة الاتحاد السوفيتي « السابق «, فقد كان من الصعب معالجة آثار أحداث 13 يناير من خلال تلك الوثيقة, وكان من الصعب تطبيق 5% في المائة منها, لأنها فاقمت من حدة الصراع القبلي والانقسامات داخل قيادة الحزب وتصاعد الخلاف بين التيار الذي تحالف ضد علي ناصر محمد وبين من أطلق عليهم « القرويون « وهم السياسيون القادمون من الشمال, كما أن قيادة الحزب اصطدمت بمظاهرات في حضرموت وإضراب للأطباء في عدن استمر 13 يوما
وختاما, فإن حصيلة تجربة حكم الحزب الاشتراكي للجنوب منذ 1978م عندما تم دمج الجبهة القومية وجبهة التحرير 45 ألف قتيل من أبناء المحافظات الجنوبية والشرقية, وحوالي 100 ألف مشوه, ومليون مهجر, و300 قضية تأميم تزيد قيمتها عن 100 مليار دولارو7 مليار دولار ديون قيمة أسلحة, وفي المقابل لم يكن الشمال في ذروة ازدهاره فالجبهة الوطنية كانت حاضرة في ملف الصراع السياسي وامتدت حادثة اغتيال الرئيس ابراهيم الحمدي بآثارها إلى نهاية عقد الثمانينات, ومئات الآلاف الذين كانوا يغادرون الشمال بحثاً عن عمل في دول الخليج كان واحدا من انعكاسات الوضع القائم, وفرار سياسيين من الشمال إلى الجنوب والى دول أخرى هربا من القمع والقتل وفاتورة الديون التي كانت على الشمال بنحو 12 مليار دولار كلها تقول بأن اليمن كان مثقلاً بحمل كبير اجتمع تحت ثوب الوحدة٫
وكل المعالجات التي تمت فيما بعد عالجت وضع النخب السياسية وترتيب مراكزها في لعبة الشطرنج الوحدوية ولم تعالج آثار الصراعات والأحداث التي مر بها اليمن ولم تلتفت حتى إلى الكشف عن أولئك المغيبين والمخفيين قسرا, فيما كان يعرف ب «الشطرين» والذين لم يعرف أو يحدد مصيرهم حتى اليوم, فكانت 13 يناير واحدة من أبشع صور المآسي التي مر بها اليمنيون بل وأعنفها وأكثرها وحشية ومثلت وصمة عار في جبين السياسيين الذين جعلوا من المناطقية والتعصب الأعمى لهذا التوجه السياسي أو ذاك خندقا للتمترس وراء القتل والاعتقال من أبناء وطنهم طمعا في كرسي حكم انتهى في الغالب بمجازر.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.