مع اقتراب انتخابات الكونغرس الاميركي ونهاية النصف الثاني من الولاية الرئاسية، تبدو محصلة الرئيس جورج بوش السياسية الى اليوم في الشرق الاوسط، المنطقة الاكثر توتراً على الصعيد الدولي، مليئة بالكوارث والاخفاقات المتتالية. فالعراق دخل في نفق حرب اهلية عبثية يتساقط جراءها مئات الضحايا والجرحى الابرياء كل يوم، وخسائر الجنود الاميركيين على يد المقاومة بدأت تعد بالآلاف، وانتخابات 15 كانون الاول (ديسمبر) عام 2005 شجعت الجماعات المتطرفة على مواصلة اعمالها الارهابية، ومهمة رئيس الوزراء الجديد تبدو اقرب الى اليأس منها الى الانقاذ، والحالة الاقتصادية مأسوية، والبنى التحتية اسوأ مما كانت عليه قبل الحرب، واكثر من نصف السكان محرومون من المياه الصالحة للشرب. اما في الدول العربية المحاذية للعراق فالحركات الراديكالية آخذة بالتمدد في كل الاتجاهات. ففي مصر دفعت الانتخابات الاخيرة بنحو 88 نائبا اسلاميا الى البرلمان (جلهم من الاخوان المسلمين الذين يشكلون اقوى الفئات المعارضة للحكم القائم). وفي الاراضي الفلسطينية تبوأت حركة «حماس»، اول منظمة راديكالية في العالم العربي، مقاليد السلطة بكثافة لافتة في انتخابات 25 كانون الثاني (يناير) 2006 التي اجمع المراقبون الدوليون على ديموقراطيتها ونزاهتها. وفي سورية يتعرض النظام لضغوطات دولية قاسية وفي الداخل يعيش حالة من القلق والارباك حيال تعامله مع المعارضة، فضلا عما تحظى به الجماعات الاصولية من نفوذ وقوة خامدتين كالنار تحت الرماد. وبموازاة تلك التطورات وصل التوتر الشديد بين الولاياتالمتحدة والجمهورية الاسلامية الايرانية الى ذروته. وكل شيء يوحي ان ايران على قدر بالغ من الثقة بالنفس ولا تتوانى عن تصعيد لهجتها الاستفزازية ازاء «الشيطان الاكبر». فعلى مستوى القانون الدولي لا شيء يجردها من حقها الطبيعي في امتلاك الطاقة النووية ولا نية لديها في فك ارتباطها بالوكالة الدولية للطاقة الذرية او التعاون معها او الانسحاب من معاهدة حظر الانتشار النووي (رغم تلويحها بذلك اخيرا)، ولا تزال تبدي رغبة في ايجاد حل عادل لتخصيب مادة اليورانيوم وانتاج المياه الثقيلة واستخدامهما لاغراض سلمية وعلمية اسوة بغيرها من دول النادي النووي (الهند وباكستان واسرائيل وكوريا الشمالية). اما على الصعيد السياسي وفي معرض تمسكها بحقها الشرعي في امتلاك الطاقة النووية ودفاعها المستميت عنه، فايران تستند الى ثلاثة اعتبارات رئيسية: اولا مراهنتها على الدعم الشعبي الذي يحظى به النظام وتصديه لأية قوة معادية - ثانيا: قناعة الزعماء الايرانيين بأن روسيا والصين تعارضان داخل مجلس الامن وخارجه اي عمل عسكري او هجوم مفاجئ قد تقوم به واشنطن - ثالثا: على افتراض ان اميركا ركبت عنادها وادارت ظهرها لهاتين القوتين العالميتين، فان لدى طهران مجموعة من الاوراق الاستراتيجية (نفوذها في العراق وفلسطين ولبنان وتحريك العديد من المنظمات الراديكالية الاخرى في المنطقة وخارجها علاوة على تحكمها بحركة الاسواق البترولية في العالم). اما بالنسبة الى دمقرطة العالم العربي فان سياسة بوش منيت بفشل ذريع. فالعراق بدل ان يكون «النموذج الديموقراطي» الذي تحذو حذوه دول المنطقة (وفقا لما تروج له البروباغندا الاميركية) يتحول اليوم باعتراف بوش نفسه الى ساحة دولية للارهاب والى بلد مجزأ الى كيانات مذهبية وطائفية وعرقية لا تهدد وحدته ارضا وشعبا وحسب وانما تنسحب عدواها الى البلدان المجاورة ايضا. ثم الا تهدد ادارة بوش الحليفة الاستراتيجية لاسرئيل باجهاض التجربة الديموقراطية الوليدة في فلسطين برفضها الاعتراف بحكومة «حماس» الشرعية وقطع المعونات الدولية عن الشعب الفلسطيني وتجميد خريطة الطريق، المشروع الذي يتباهى بوش بانجازه؟ استراتيجية مفقودة في غمرة هذه التطورات المفتوحة على كل الاحتمالات يبدو ان واشنطن لا تمتلك اية رؤية استراتيجية واضحة المعالم والابعاد في منطقة الشرق الاوسط التي تشهد المزيد من التأزم والتدهور يوما بعد يوم. ففي رسالة موجهة الى الرأي العام الاميركي نشرها استاذان جامعيان اميركيان (جون ميرشيمر وستيفان والت) على موقع «هارفارد يونيفرسيتي» لسان حال نخبة من المفكرين والمثقفين المناهضين للمحافظين الجدد، اشارا فيها الى عدد من المسائل الجوهرية اهمها: • ان الولاياتالمتحدة تضع جانبا لاول مرة في التاريخ مصالحها الذاتية والحيوية وتضحي بكثير من حلفائها في سبيل مصالح دولة اخرى هي اسرائيل. • على واشنطن ان تقدم على اجراء مراجعة نقدية شاملة وجريئة لمجمل سياساتها الخاطئة ازاء العرب وحل قضاياهم العالقة مع اسرائيل بشكل سلمي عادل ومتوازن. • اعادة الحياة الى خريطة الطريق التي تشكل قاعدة اساسية لقيام دولتين واحدة فلسطينية والاخرى اسرائيلية، تتعايشان جنبا الى جنب وانهاء الصراع التاريخي الدموي بين الشعبين. • ادانة اية مغامرة عسكرية قد تلجأ اليها الادارة الاميركية لقلب نظام الملالي في ايران على غرار حربها على افغانستان والعراق واللجوء الى المفاوضات الديبلوماسية المبنية على تكافؤ المصالح المشتركة تماما كما فعلت مع الصين عام 1972 في ما عرف بدبلوماسية (بينغ بونغ) وما اعقبها من زيارات متبادلة بين الطرفين. • على واشنطن الا تتجاهل مواقف حلفائها الاوروبيين الذين لهم ايضا مصالح استراتيجية تاريخية في المنطقة لا سيما البترولية منها. كاتب لبناني. الحياه